للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحادي عشر: الترجيح بالنظر إلى شهرة القول وكثرة من قال به:

وإنما جعلته أخيرًا، لأنه لم يكن المعتمد عنده في كل الأحوال، بل كانت الحجج والبراهين هي المُقدَّمة عنده، والذي يظهر أنه يلجأ إلى الترجيح بالكثرة حين لا تكون الحجج والبراهين ظاهرة، ومثاله قوله في كلمة (كأيِّن)؛ قال: "واختلف الناس فيها؛ هل هي مركبة أم بسيطة، والمشهور أنها مركبة من كاف التشبيه ومن (أيّ) … " فذكر القول المشهور كأنه يقتصر عليه، ثم أطنب في تفصيله وذِكْرِ الأقوال فيه، ولم يعُد إلى القول الآخر إلا بعد عدة صفحات ليبيِّن ضعفه وعيبه فقال: "واختار بعضهم كونها بسيطة، ولا شك أنه أروَح، إلا أن فيه فواتًا لتشحيذ الذهن وتمرينه الذي قصده العلماء رحمهم الله" (١).

وفي مسألةٍ أخرى أشار إلى قوة القول الذي يرجحه عند إيراده بأنه قول أكثر النحويين والمفسرين (٢).

وربما خالف القولَ المشهور ورجَّح غيره إذا ظهرت له قرينةٌ أقوى، وذلك عند قوله: {إِن يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} [آل عمران: ١٦٠]، قال رحمه الله: "واختلف الناس في مُتعلَّق النصر والخذلان؛ ما هو؟

فأكثر المفسرين على أن ذلك النصر بالحجج القاهرة، وبالعاقبة في الآخرة …

وذهب آخرون إلى أن ذلك فيما يتعلق بلقاء العدو، وعند المكافحة في ملاحم القتال ونِزال الأبطال، وهو الظاهر من السياق والسباق" (٣).

فيظهر هنا أنه يُقدِّم ما دل عليه السياق على شهرة القول وكثرة مَنْ قال به.


(١) ينظر في القول الوجيز، (آل عمران: ١٠٦ – ١٥٦)، تحقيق: يعقوب مصطفى سي (ص: ٣٧٤ – ٣٨٠).
(٢) ينظر في القول الوجيز، (آل عمران: ١٥٧ إلخ)، تحقيق: وائل بن محمد بن علي جابر (ص: ١٢٤ - ١٢٧).
(٣) القول الوجيز، (آل عمران: ١٥٧ إلخ)، تحقيق: وائل بن محمد بن علي جابر (ص: ١٣١).

<<  <   >  >>