للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى لفظ (الخلق) كما في قوله: {إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [الجاثية: ٣].

والقول بأن لفظ (الخلق) مصدر أعم من حيث المعنى، ويشمل القول الآخر، بل إن القول الآخر فرعٌ عنه؛ قال ابن عاشور في الآية التي في سورة البقرة: (الخلق) هنا بمعنى المصدر، واختير هنا لأنه جامع لكل ما فيه عبرة من مخلوقات السماوات والأرض، وللعبرة أيضًا في نفس الهيئة الاجتماعية من تكوين السماوات والأرض والنظام الجامع بينها، فكما أن كل مخلوق منها أو فيها هو آية وعبرة فكذلك مجموع خلقها" (١)، فالقول بأن (الخلق) مصدر يشمل المعنى الآخر وزيادة.

[٥) النتيجة]

الراجح أن لفظ (الخلق) في الآية مصدر باق على حالة، فإن ذلك أولى من التجوُّز به، وهذا القول أعمُّ في المعنى ويشمل القول الآخر، وذلك أولى من تخصيص المعنى بغير ما يُوجب التخصيص.

كما أن هذا القول أقرب في الدلالة على فعل الله وهو محل العبرة.

هذا، وقد أثار الرازي عند الآية التي في سورة البقرة مسألةً فلسفية، هل (الخلق هو المخلوق) أو هو غيره؟ وهي مسألة متشعبة تقلَّدها أكثر الأشاعرة وغيرهم من أهل الكلام، وفرُّوا بذلك من أن يقال إن الخلق فعلٌ قائم بالله، فقالوا إن الخلق هو المخلوق، وهي إحدى المسالك التي يتفرَّع عنها نفي الصفات، وأهل السنة على خلاف ذلك (٢).

وقد كان من تشعُّب هذه المسألة أن أوردها بعض النحاة في كتبهم وصار النقاش في بعض تفاصيلها يستند إلى مسائل لفظية، وبعض الذين يقولون بأن لفظ (الخلق) في تلك الآية بمعنى المخلوق يستندون إلى هذه الفلسفة (٣)، والله الهادي.


(١) التحرير والتنوير (٢/ ٧٧)، ثم أشار في الصفحة بعدها إلى أن القول الآخر فرعٌ عن الأول.
(٢) ينظر تفصيل المسألة في مجموع الفتاوى لابن تيمية (٥/ ٥٢٨) وما بعد ذلك.
(٣) ينظر في تفسير الرازي (٤/ ١٥٢ - ١٥٣)، وأمالي ابن الحاجب (٢/ ٧٠٢ - ٧٠٣)، وتفسير ابن عرفة (١/ ١٩٦ - ١٩٨).

<<  <   >  >>