للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبهذا يظهر أن الحذف إنما هو في القول الثاني فقط، وهو حذف واحد، ولا حاجة إلى تقدير محذوفٍ آخر في الآية.

وهذا الحذف في القول الثاني (وهو المبتدأ المضمر) هو مما يضعفه، ويجعل القول الأول الخالي من الحذف أولى منه؛ إذ "القول بالاستقلال مُقدَّمٌ على القول بالإضمار" (١)، كما أنه خلاف الظاهر، فإن الظاهر أن يكون المبتدأ هو اللفظ المذكور أولًا بعد اللام التي تدل على الابتداء، وهو إن كان نكرةً إلا أن له عدة مسوغات ذكرها السمين الحلبي هنا.

بقي أن يُجاب عن مناسبة المعنى في القول الثاني، ففيه وجهان:

الأول: هو ما يفيده المبتدأ المضمر من جعل الكلام متسلسلا مرتبطًا بالجملة السابقة في بداية الجملة اللاحقة، فهذا الربط وإن كان حسنًا من حيث المعنى إلا أنه ربطٌ غير ظاهر، ويمكن أن يغني عنه ما هو ظاهر في الآية، وهي اللام في قوله {لَمَغْفِرَةٌ}، فإن هذه اللام هي المُتلَقية للقَسَم كما ذكره ابن عطية (٢)، فإذا كانت هذه اللام قد ربطت بين القسم وجوابه، فلا حاجة إلى تقدير محذوف يربط بينهما.

الثاني: ما يفيده القول الثاني من تأكيد حصول المغفرة والرحمة للمقتولين والميتين في سبيل الله، لأنهما هما المخبر عنهما، فهذا وإن كان حسنًا من حيث المعنى إلا أن السياق يدل على أن الأمر المراد بالإخبار عنه في الآية غير هذا، فإن الآية في سياق الرد على مقولة المنافقين في الآية السابقة، حيث قال الله فيها: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُواْ} [آل عمران: ١٥٦]، فجاءت الآية بعدها في الرد عليهم، وأولى أن يكون الخبر فيها يُراد به التفضيل لحال المقتولين والميتين في سبيل الله، فيكون الخبر هو الخيرية المذكورة في الآية، بأن المغفرة والرحمة خيرٌ للمؤمنين مما يجمعه أولئك المنافقون القاعدون، فهذا أنسب في الرد.

[٥) النتيجة]

الراجح في قوله تعالى {لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} أن المبتدأ فيه هو


(١) ينظر في قواعد الترجيح للدكتور حسين بن علي الحربي (٢/ ٤٢١).
(٢) ينظر في المحرر الوجيز (١/ ٥٣٢).

<<  <   >  >>