للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا كاف في جواز أن يتعلَّق به الجار والمجرور والظرف (١)، فإن اعتبرنا بهذا الجواز فقد زال الإشكال واستوى القولان في إمكان تعلق الجار والمجرور وإلا فإن القول الذي ذكره السمين الحلبي يكون أحسن في التعلُّق لسلامته من الإشكال الذي ذكره، ولسلامته من تقدير المحذوف، لأن التعلُّق فيه مباشر بلا تقدير.

هذا من حيث تعلُّق الجار والمجرور، أما من حيث أصل لفظ المفازة، فإن الأقرب مراعاة ما جاء في القرآن الكريم، وهذا أولى من مراعاة ما اشتهر في اللسان العربي، لأن القاعدة الترجيحية تقول: (حمل معاني كلام الله على الغالب من أسلوب القرآن ومعهود استعماله أولى من الخروج به عن ذلك) (٢)، فتُحمل (المفازة) على الاستعمال الذي جاء به القرآن، وهو جعلها مصدرًا.

وهذا الاستعمال هو الذي جاء به قوله تعالى: {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ} كما سبق، وهو الذي جاء به قوله تعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا} [النبأ: ٣١] على الصحيح من أقوال المفسرين وأهل اللغة، فإنهم جعلوها مصدرًا ولم يجعلوها اسم مكان (٣).

[٥) النتيجة]

الراجح أن (المفازة) مصدر من الفوز، وأن الجار والمجرور بعدها متعلُّق بها مباشرة، وهو الموافق لما جاء في القرآن الكريم، وهو المناسب في الآية، فإن الآية في سياق الحديث عن اليهود كما تقدم، وهي هنا في ذكر خداعهم وغرورهم بأنهم يفرحون بما يأتونه من الشر، ويحبون أن يُحمدوا على ما لم يفعلوه من الخير، فجاءت الآية تسليةً للنبي صلى الله عليه وسلم واستهزاءً بهم بألا يحسب أن هؤلاء في فوزٍ عظيمٍ من العذاب كما يتوهمون رفعتَهم وعلوَ شأنهم، بل إن جزاءهم هو عذاب أليم.

وهذا المعنى في الرد عليهم والتهكم بهم يفيده المصدر بما يدل عليه من تعظيم الفوز وتأكيده، وأما إذا قلنا بأن (المفازة) اسم المكان فإن ذلك يفيد أنهم ليس لهم مكان ينجيهم من


(١) ينظر في حاشية الصبان على شرح الأشموني لألفية ابن مالك (٢/ ٤٤٣).
(٢) ينظر في قواعد الترجيح عند المفسرين للدكتور حسين بن علي الحربي (١/ ١٧٢ - ١٧٨).
(٣) ينظر في تفسير الطبري (٢٤/ ٣٨)، والمحكم والمحيط الأعظم لابن سيده (٩/ ١١١)، والتفسير البسيط للواحدي (٢٣/ ١٣٦)، وتوضيح المقاصد للمرادي (٢/ ١٠٤٣)، وفتح القدير للشوكاني (٥/ ٤٤٥).

<<  <   >  >>