للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}، فما أعظمها من نعمةٍ في جوار ربهم يجري عليهم فيها رزقه ويتجدد عليهم، وأما الفضل فقد جاء مصرَّحًا به في قوله: {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}، وعلى هذا يمكن أن يقال إن القاعدة الترجيحية التي ذكرها السمين الحلبي (إذا دار الأمر بين التأكيد والتأسيس، فالتأسيس أولى) لا مدخل لها هنا في الآية، لأن الآية تتضمن تأكيدًا لما سبق، سواء على القول الأول أو الثاني، فإما أن يكون التأكيد فيها لاستبشار الشهداء لإخوانهم الذين لم يلحقوا بهم، أو يكون التأكيد فيها لثبوت النعمة والفضل للشهداء، فهم يستبشرون بما آتاهم الله من النعمة والفضل.

وقد قيل في الجواب عن هذا إن قوله تعالى {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} تضمَّن فرحهم، والاستبشارُ أعظم من الفرح، وأيضًا فإن فرحهم هو بفضلٍ يحصل لهم في الحال، واستبشارهم هو بفضلٍ يحصل لهم لاحقًا (١)، لكن الظاهر أن هذا لا يُخرِج الآية عن التأكيد لثبوت النعمة والفضل لهم.

[٥) النتيجة]

الذي يظهر والله أعلم أن قوله تعالى {يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} قد تضمَّن التأكيد للاستبشار الذي في الآية قبله، وأن الجملة ليست للاستئناف، وأن الاستبشار الذي في الآية ليس متعلقًا بالشهداء وحدهم، لأنها فيها الاستبشار بأن الله لا يضيع أجر المؤمنين، وهذا عامٌّ في المؤمنين كلهم.

ولا يظهر أن يكون المراد بالمؤمنين في الآية الشهداءُ وحدهم، بل الظاهر أنها عامةٌ في كل مؤمن، ويؤيد ذلك قراءة الاستئناف: {وإِن الله لا يضيع أجر المؤمنين} (٢)؛ قال ابن زيد: "هذه الآية جمعت المؤمنين كلهم سوى الشهداء، وقَلَّما ذكر الله فضلًا ذكر به الأنبياء وثوابًا أعطاهم إلا ذكر ما أعطى الله المؤمنين من بعدهم" (٣).


(١) ينظر في تفسير الرازي (٩/ ٤٣٠ - ٤٣١) وتفسير العثيمين لسورة آل عمران (٢/ ٤٣٩).
(٢) وهي قراءة الكسائي؛ ينظر في التيسير لأبي عمرو الداني (ص: ٣١٨)، والنشر لابن الجزري (٢/ ٢٤٤).
(٣) ينظر في تفسير ابن أبي حاتم (٣/ ٨١٥).

<<  <   >  >>