للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقع على الربيين وليس الأنبياء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُقتل في الغزوة التي نزلت فيها هذه الآيات، وإنما قُتل فيها جمعٌ كثير من أصحابه (١).

الثاني: ما روي في قراءة التشديد (قُتِّل) (٢)، فهي تؤيد أن القتل وقع على الربيين وليس على النبي لما في تشديد التاء من الدلالة على التكثير، وهو ينافي إسناده إلى الواحد {نَّبِيٍّ}، فإن كثرة القتل لا تكون على ذات واحدة (٣).

[٤) الموازنة بين الأدلة]

الذي يظهر من حيث قوة الأدلة أن أقواها ما يتعلق بسبب النزول وسياق الآيات، فإن سبب النزول وسياق الآيات من الأدلة المقدَّمة في الترجيح عند التعارض (٤)، وهذان الدليلان يعضدان القول الأول في أن القتل في الآية يتعلق بالأنبياء، أما القول بأن القتل في الآية يتعلق بالربيين فقط، وأن هذا أنسب مع نزول الآيات، لأنه قد قُتل من الصحابة في غزوة أحد جمعٌ كثير، ولم يقتل فيها النبي صلى الله عليه وسلم= فهذا غير ظاهر، فإن الروايات في سبب النزول ذكرت ما أُشيع من مقتل النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تذكر مقتل عدد كثير من الصحابة رضوان الله عليهم (٥).

لكن القول بأن من الأنبياء من قُتل في حرب وإثبات ذلك في الآية عليه اعتراضات أربعة:

الاعتراض الأول: أن الاستدلال بسبب النزول لو كان يتعيَّن منه ذكر قتلِ نبيٍّ لكانت قراءة الجمهور {وَكَأَيِّن مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ} جاريةً على خلاف المتعين؛ إذ ليس فيها إشارة إلى القتل، وإنما هي في المقاتلة (٦).

ويمكن أن يجاب عنه بأن قوله تعالى في آخر الآية {فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ


(١) مستفاد مما ذكره القرطبي في تفسيره (٤/ ٢٢٩)، والظاهر من عبارته ترجيح أن القتل وقع على النبي وعلى من معه.
(٢) وهي قراءة قتادة، ينظر في مختصر ابن خالويه (ص: ٢٩)، وشواذ القراءات للكرماني (ص: ١٢٢).
(٣) ينظر في المحتسب لابن جني (١/ ١٧٣)، والكشاف للزمخشري (١/ ٤٢٤)، فقد استدل بهذا المعنى ولم يظهر من بقية كلامه ترجيحه لما استدل له، وينظر فيما ذكره ابن عطية في المحرر الوجيز (١/ ٥٢٠).
(٤) ينظر في قواعد الترجيح عند المفسرين للدكتور حسين بن علي الحربي (١/ ٦٠ - ٦٢).
(٥) ينظر فيما رواه الطبري في تفسيره (٦/ ٩٨ - ١٠٥)، وابن المنذر في تفسيره (١/ ٤٠٢ - ٤٠٣)، وابن أبي حاتم في تفسيره (٣/ ٧٧٨).
(٦) ينظر في أضواء البيان للشنقيطي (١/ ٢١٤).

<<  <   >  >>