للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• دراسة المسألة:

[١) مذاهب أهل العلم في المسألة]

ذكر أكثر أهل العلم ما يفيد أن التولي المذكور في الآية معصيةٌ عفا الله عنها؛ قال ابن جريج: "عفا الله عنهم إذ لم يعاقبهم" (١)، وهذا يدل على أنه يرى أن التولي معصية تستحق العقوبة، ومِن قبله ذكر سعيد بن جبير والحسن البصري أن الله عفا عنهم إذ لم يستأصلهم (٢).

وهذا القول هو مقتضى كلام ابن عطية كما بيَّنه السمين الحلبي هنا، وهو مقتضى كلام ابن تيمية كذلك (٣)، وقد صرَّح به عدد من أهل العلم (٤).

وأول من ذكر الخلاف في هذه المسألة فيما وقفت عليه هو القرطبي، وهو الذي أشار إلى الأعذار المذكورة على أنه قد قيل بها (٥)، ولم أقف على من قال بها، ولم أقف على من صرَّح أن التولي ليس بمعصية إلا ما ذكره محمود شكري الآلوسي (٦) أن التولي كان قبل النهي عنه (٧).

[٢) أدلة القول الأول في المسألة]

يستدل لمن قال بأن التولي المذكور في الآية معصيةٌ عفا الله عنها بدليلين؛ دليلٌ يتجه إلى حكم العمل نفسه وأنه محرَّمٌ في الأصل، ودليلٌ يتجه إلى العامل وأنه قد وقع في ذنب، وذلك على النحو الآتي:

الدليل الأول: حكم التولي المذكور في الآية، وذلك من وجهين:

الوجه الأول: أن الأصل في التولي يوم الزحف أنه محرَّم، فلا يجوز إلا بعذرٍ يبيح ذلك، وهذا ما يشير إليه النقل عن ابن عطية، وقد أفاد هذا الحكمَ قولُه تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا


(١) رواه الطبري في تفسيره (٦/ ١٧٤)، وذكر الطبري معنى قول ابن جريح في تفسيره للآية.
(٢) رواهما ابن أبي حاتم في تفسيره (٣/ ٧٩٧ – ٧٩٨)، وظاهر كلامهما أن المتولين الرماةُ الذين نزلوا، وسيأتي بيانه.
(٣) ينظر في الصارم المسلول (ص: ٤٦٥).
(٤) ينظر في الإشارات الإلهية للطوفي (ص: ١٤٧ – ١٤٨)، والبحر المحيط لأبي حيان (٣/ ٣٩٨ - ٣٩٩)، والتحرير والتنوير لابن عاشور (٤/ ١٤٠) (٩/ ٢٨٨)، وتفسير العثيمين لسورة آل عمران (٢/ ٣٤٣ – ٣٤٤).
(٥) ينظر في تفسير القرطبي (٤/ ٢٤٤).
(٦) هو أبو المعالي محمود شكري بن عبد الله الآلوسي، مؤرخٌ عالم بالأدب والدين، من الدعاة إلى الإصلاح، له كتاب صب العذاب على من سب الأصحاب، وبلوغ الأرب في أحوال العرب؛ ينظر في الأعلام للزركلي (٧/ ١٧٢).
(٧) ينظر في السيوف المشرقة (ص: ٥٧٩).

<<  <   >  >>