للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثاني: معنى الترجيح في الاصطلاح]

تعددت العبارات في تعريف الترجيح، فبعضها يعتمد على فعل المُرجِّح الناظر في الأدلة، وبعضها يُظهِر معنى الرجحان الذي هو وصفٌ قائمٌ بالدليل أو مضافٌ إليه، فيكون الظن المستفاد منه أقوى من غيره (١).

فمن الأول قولهم: "الترجيح هو تقوية إحدى الأمارتين على الأخرى لدليل" (٢)، وقولهم: "هو بيان القوة لأحد المتعارضين على الآخر" (٣).

ومن الثاني قولهم: "الترجيح هو اقتران الأمارة بما تقوى به على مُعارِضها" (٤)، وقولهم: "هو ما أيّد به العلة والخبر إذا قابله ما يعارضه" (٥).

وهذه العبارات غالبها مأخوذ من الأصوليين في تعاملهم مع الأقوال الفقهية التي يظهر منها التعارض، ولم يكن للمفسرين تعريفٌ محددٌ للترجيح، مع أنهم عملوا به في الأقوال التفسيرية، وخصَّص بعض المعاصرين الترجيحَ عند المفسرين بأنه "تقوية أحد الأقوال في تفسير الآية على غيره لدليلٍ أو تضعيف ما سواه من الأقوال" (٦).

ويظهر من العبارات كلها أن القولَ الراجح هو ما حظي بالقوة والتأييد، ويبقى الأمر في الترجيح هل هو تقويةٌ له على الحقيقة أو بيانٌ لتلك القوة، فالذي يظهر أن المُرجِّح لا يُكسِب القولَ قوةً، لأن قوةَ القول موجودةٌ فيه أصالةً، وإنما يُظهِر فضلَ قوته على غيره من الأقوال، وتبيينُ الحقيقة في التعريف أولى من التجوُّز في العبارة.

ثم بالنظر في التعريف الأخير المختص بعلم التفسير، نجد أنه يرِد عليه أمرٌ لا يدخل في الترجيح، وهي مسألة الرد على التفاسير المخالفة، فإن الذي يذكر التفسير الصحيح للآية ويُظهِر قوَّته ثم يتعرَّض للتفاسير المبتدعة ويبيِّن ضعفها لا يسمى فِعلُه ترجيحًا، بل تقريرًا، فالترجيح إنما يقع بين الأقوال المتقاربة في القوة، المتوافقة فيما بينها على أصلٍ من الأصول


(١) ينظر في تحقيق مختصر التحرير شرح الكوكب المنير (٤/ ٦١٦) حاشية رقم (٦) بتحقيق محمد الزحيلي ونزيه حماد.
(٢) مختصر التحرير شرح الكوكب المنير (٤/ ٦١٦).
(٣) الكليات لأبي البقاء الكفوي (ص: ٣١٥).
(٤) منتهى الوصول والأمل في علمي الأصول والجدل لابن الحاجب (ص: ٢٢٢).
(٥) الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري (ص: ٧٩).
(٦) منهج الإمام ابن جرير الطبري في الترجيح بين الأقوال التفسيرية للدكتور حسين بن علي الحربي (١/ ٧٢).

<<  <   >  >>