للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المعتبرة، وأما الأقوال المتنافرة المتباينة فلا موازنة بينها حتى يقال بالترجيح، وإنما المقام مقامُ إثباتٍ وتقريرٍ للقول الصحيح، وردٍّ للأقوال الباطلة، وهذه المسألة تظهر جليَّةً في الأمور العقديَّة التي قد تقرَّر فيها القول المعتمد عند المفسِّر من قبل، فإذا تعرَّض للأقوال المخالفة له فهو لا يطلب الترجيح، فينبغي إضافة قيد التقارب بين الأقوال في تعريف الترجيح (١).

وأمرٌ آخر في التعريف أنه أفاد أن الترجيح يقع بأحد أمرين، إما تقوية القول الراجح على غيره أو تضعيف ما سوى القول الراجح من الأقوال، لكن لم يذكر الأصل الجامع لهذين الأمرين، وبالرجوع إلى معنى الترجيح في اللغة يتبيَّن أن الأصل الذي يجمع بينهما هو الفضل، لأن الترجيح مبنيٌ على الزيادة والفضل، فالذي يذكر قولًا في التفسير ثم يضعِّف ما سواه من الأقوال قد أنبأ عن فضل ذلك القول.

ويتبين أيضًا من معنى الترجيح في اللغة أن الترجيح يُعرَّف بحسب فعل المُرجِّح لا بحسب معنى الرجحان، لأن الترجيح مصدر للفعل (رجَّح).

وعليه فقد ظهر لي أنه يمكن تعريف الترجيح عند المفسرين بأنه بيان فضل قولٍ في التفسير على ما يقابله بذكر ما يقوِّيه أو يضعِّف ما عداه.

فالمراد بالمقابلة: الأقوال الجارية على الأصول المعتبرة في التفسير عند المُرجِّح، ثم يبقى بيان أوجه القوة والضعف للأقوال في التفسير خاضعًا لأصول التفسير وقواعد الترجيح عند المفسرين في العموم، وقواعد الترجيح عند كل مفسر بحسبه (٢).


(١) وقد ذكرت بعض التعريفات الأصولية للترجيح لفظ المماثلة والمقابلة، وجاءت الإشارة إلى المعنى المذكور عند الكلام عن التعارض الذي يقبل الترجيح؛ ينظر في البحر المحيط للزركشي (٨/ ١٤٥ – ١٤٨)، وينظر فيما علل به الدكتور محمد بن عبد الله بن جابر القحطاني في اختيارات ابن القيم وترجيحاته في التفسير (١/ ١٠١)، ففيه إشارة إلى طرفٍ من المعنى المذكور، حيث لم يُدخِل الرد على التفاسير الباطلة في الدراسة.
(٢) وسيأتي إن شاء الله بيان قواعد الترجيح عند السمين الحلبي في مبحث مستقل.

<<  <   >  >>