للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المراد بالأولياء في القولين واحد (١).

[٤) أدلة القول الثالث في المسألة]

يستدل للقول بأن المراد في الآية أن الشيطان يخوِّف أولياءه المنافقين من شر الكافرين بدليلين:

الأول: أن هذا هو الظاهر من قوله: {يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} أن يكون المذكور في الآية هو المفعول الأول، ويكون المحذوف هو المفعول الثاني (٢)، فهو المتبادر إلى الذهن عند الحذف مع الفعل (يخوِّف)، لأنك إذا قلت (خوَّفت زيدًا) فالمتبادر إلى الذهن أن (زيد) هو المفعول الأول، وأما المفعول الثاني فهو الذي يستغنى عن ذكره، لأنه معلومٌ أنك خوَّفته شيئا حقه أن يُخاف منه (٣).

الثاني: السياق، وذلك أن الله ذكر أن المؤمنين لم يخافوا مما قيل لهم، بل ازدادوا إيمانًا، كما قال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: ١٧٣]، ولكن المنافقين هم الذين أوقع الشيطان الخوف في قلوبهم (٤)، وذلك أن له سلطانًا عليهم، كما قال تعالى: {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل: ١٠٠]، فذكر أن سلطانه على أوليائه الذين يتولونه (٥).

[٥) الموازنة بين الأدلة]

الذي يظهر في سياق الآيات أنه لم يرِد ذكرٌ للمنافقين حتى يقال بأن الشيطان يخوِّف أولياءه المنافقين، وأيضًا فإنه قد تقدَّم في المسألة السابقة أن سياق الآيات هو في غزوة حمراء الأسد، وأن تخويف الشيطان حصل فيها، ولم يخرج المنافقون إلى غزوة حمراء الأسد، لأن


(١) ينظر في معاني القرآن وإعرابه للزجاج (١/ ٤٩٠)، والحجة لأبي علي الفارسي (٥/ ١٦٨)، والكشاف للزمخشري (١/ ٤٤٣)، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (١٤/ ٢٠٣ - ٢٠٤)، والبرهان في علوم القرآن للزركشي (٣/ ٢١٥).
(٢) ينظر في حاشية القونوي على تفسير البيضاوي (٦/ ٤١٦).
(٣) مستفاد مما ذكره ابن عطية في المحرر الوجيز (١/ ٥٤٤)، ولم يرجح هذا القول.
(٤) ينظر في حاشية الطيبي على الكشاف (٤/ ٣٥٢).
(٥) مستفاد مما ذكره ابن تيمية في مجموع الفتاوى (١/ ٥٦)، ولم يرجح هذا القول.

<<  <   >  >>