للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لعموم القرآن لجميع الأمة، فليس الخطاب خاصًّا بالنبي صلى الله عليه وسلم وحده، وليس الخطاب خاصًّا بأمته من دونه عليه الصلاة والسلام، بل الخطاب عامٌّ لكل من يتوجَّه إليه الخطاب، وبهذا يجاب عن إفراد الخطاب في قوله: {لَا يَغُرَّنَّكَ} أنه ليس خاصًّا بالنبي وحده لعموم القرآن لجميع الأمة.

ويصدق على هذا القول أنه يتوجَّه لكل مَنْ يكون منه الاغترار بأن لا يغتر، ويتوجَّه إلى من لا يكون منه الاغترار على سبيل التحذير والتنبيه، أو على سبيل التسلية له والتثبيت بأن الكافرين ليسوا على شيء.

واستبعد بعضهم معنى التثبيت، وذكر أنه لا حاجة إليه حتى يقال به، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ثابت لا يتزلزل، فكيف يُؤمر بالثبات ويُؤكَّد ذلك عليه (١).

ويمكن الجواب عنه بأن الأمر بالتثبيت لا يقتضي احتمال أن يتزلزل عليه الصلاة والسلام، وإنما هو أمرٌ بأن يستمر على ما كان عليه (٢)، فيتضمن هذا الثناء على الحالة التي هو عليها، وذم الحالة الأخرى التي بخلافها والنهي عنها.

ويمكن أن يكون الاغترار في الآية ليس من قبيل الانخداع بما هم عليه والانجرار خلفهم، بل هو من قبيل قوله تعالى: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [النور: ٥٧]، وقوله: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ} [آل عمران: ١٨٨].

وبهذا يزول الإشكال عن دخول النبي صلى الله عليه وسلم في الخطاب في الآية.

[٦) النتيجة]

الراجح أن الخطاب في الآية على عمومه كما أن اللفظ فيها عامٌّ لا يختص بسبب نزول كما سبق.

وترجيح السمين الحلبي لعموم الخطاب هنا يعضد ترجيحه المسألة السابقة أنه يرى أن الآية لا تختص بسبب نزولٍ معين وأن الأولى فيها حملُ اللفظ على عمومه.


(١) ينظر في حاشية الشهاب الخفاجي على تفسير البيضاوي (٣/ ٩٢).
(٢) ينظر في حاشية القونوي على تفسير البيضاوي (٦/ ٤٦٣).

<<  <   >  >>