للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والحاصل أن الأعمال بالنيات، وما فسَّرنا الرباط به هو المشهور الصحيح.

وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن: «الرباط انتظار الصلاة بعد الصلاة»، قال: «ولم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوٌّ يُرابط فيه» (١)، واحتج بقوله عليه السلام: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخُطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة إلى الصلاة، فذلكم الرباط) ثلاثًا (٢).

قال ابن عطية: «والقول الصحيح هو أن الرباط هو الملازمة في سبيل الله … وقوله: (فذلكم الرباط) تشبيه بالرباط في سبيل الله، إذ انتظار الصلاة إنما هو سبيلٌ من السُّبُل المنجية، والرباطُ اللغوي هو الأول» (٣) " (٤).

• ترجيح السمين الحلبي ووجه الترجيح:

يرجِّح السمين الحلبي أن معنى الرباط في قوله {وَرَابِطُواْ} أنها الإقامة في الثغور وربط الخيل فيها لترصد العدو، ويظهر هذا الترجيح من أربعة وجوه:

الأول: أنه فسَّر الآية بهذا القول كأنه هو المعتمد عنده، ثم ذكر القول الثاني بعد ذلك.

الثاني: أنه أكَّد هذا القول وأشاد به، ونسبه إلى نفسه، وذلك في قوله: (والمرابطة أصلها ما ذكرناه من رباط الخيل)، وقوله: (وما فسَّرنا الرباط به هو المشهور الصحيح).

الثالث: أنه استدل لهذا القول بنفسه في قوله: (ودليله قوله تعالى … )، وحكى دليل القول الآخر عن غيره في قوله: (واحتج بقوله عليه السلام … )، وهذا يفيد أن أدلة القول الأول هي المعتمدة عنده.

الرابع: أنه تعقَّب القول الثاني في ختام المسألة، فذكر كلام ابن عطية في ترجيح القول الأول وتوجيه القول الثاني، وهذا يدل على أنه يرتضي ما قاله ابن عطية.


(١) تقدَّم تخريجه في فقرة (أصل الخلاف في المسألة)، وسيأتي تفصيله.
(٢) رواه مسلم في صحيحه (٣/ ١٥٠٠/ ١٨٨١) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٣) المحرر الوجيز لابن عطية (١/ ٥٦٠).
(٤) القول الوجيز، (آل عمران: ١٥٧ إلخ)، تحقيق: وائل بن محمد بن علي جابر (ص: ٤٦٤ - ٤٦٦).

<<  <   >  >>