للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الزمخشري في كشافه، ثم إنهم يقولون: (عَلِم) يتعدى لمفعول واحد إذا كانت بمعنى (عرف)، ويجعلون من ذلك: {لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ}، وحينئذٍ فكيف يصح ذلك؛ إذ المحذور أمرٌ معنوي لا لفظي فإنه متى أريد بالعلم العرفان كانا بمعنى واحد امتناعًا وجوازًا، فيجب أن يقال: {اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} متعدٍ لاثنين، حذف ثانيهما، وأما {لَا تَعْلَمُونَهُمُ} فمتعد لواحد" (١).

فيتلخص من هذا أن العلة بأن هذا القول هو المتعيِّن، لأنه يحصل به تنزيه الله تعالى، وأما القول الآخر فإنه يتضمن وصف الله تعالى بالمعرفة، وهذا لا يجوز، لأن المعرفة قاصرة لا تليق بالله تعالى، وصفاتُ الله كاملة، وأيضًا فإنه يلزم منها سبق الجهل بالشيء الذي يُتعرَّف عليه، بخلاف العلم فإنه لا يلزم منه سبق الجهل.

[٤) الموازنة بين الأدلة]

أما ما ذكره أبو حيان من أن القول بتعدي الفعل إلى مفعول واحد هو الظاهر فهذا ظاهرٌ في الآية، لأن المفعول الثاني لم يُذكر وإثباته يحتاج إلى تقدير، لكن يُنظر فيما اعترض به السمين الحلبي على هذا القول من أنه لا يليق بالله جل وعلا، وينظر أيضًا فيما أشار إليه من أن الأصل في فعل (عَلِم) أنه يتعدى إلى مفعولين.

ويظهر أن الأمر الذي جعل السمين الحلبي يلتزم ترجيح قوله ويمنع من القول الآخر هو ما ذكره أهل اللغة من أن العلم يكون بمعنى المعرفة إذا تعدَّى إلى مفعول واحد، فجعل معنى العلم في هذه الحالة مطابقًا تمامًا لمعنى المعرفة، ولا يظهر أن هذا هو مقصود أهل اللغة، بل الذي يظهر أنهم أرادوا التشبيه والتقريب، فإن الأصل في فعل (عَلِم) أنه يتعدى إلى مفعولين، فلما تعدى إلى مفعول واحد صار مشابهًا لفعل (عرف) وأخذ شيئًا من معناه، فلذلك ذكروا أنه بمعنى (عرف) لأجل أن يتبين الإعراب فيه ويُعلَم أنه على خلاف الأصل، فيتعدى إلى مفعول واحد كما يتعدى فعل (عرف) إلى مفعول واحد.

وبعيد أن يكون مرادهم أن معنى العلم في تلك الحال يكون مرادفًا لمعنى المعرفة، "فإن الترادف في اللغة قليل، وأما في ألفاظ القرآن فإما نادرٌ وإما معدوم، وقَلَّ أن يُعبَّر عن لفظٍ


(١) عمدة الحفاظ (مادة: عرف): (٣/ ٦٠).

<<  <   >  >>