للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المسألة الثانية: المخاطبون في قوله: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا}

• أصل الخلاف في المسألة:

قوله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا}، ذكر الله هذه المقولة على سبيل الذم لها، فهل يمكن أن تكون من أقوال المؤمنين؟ وأيضًا فإن الله أجاب عنها بقوله: {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنفُسِكُمْ}، وهذا الخطاب يظهر منه التوبيخ والتقريع، فهل يناسب أن يُخاطب به المؤمنون؟

• نص المسألة:

قال السمين الحلبي رحمه الله: "واختلف الناس أيضًا فيمن خُوطب بهذا الكلام، والظاهر أنهم المؤمنون الخُلَّص، وعليه ينطبق ما قدمناه من أقوال المفسرين.

وذهب الماتريدي إلى أن الخطاب للمنافقين، وكان الإمام فخر الدين تبعه في ذلك، ولخَّص العبارة فقال: «لمَّا حكى الله عن المنافقين طعنَهم في الرسول بأن نسبوه إلى الغلول والخيانة؛ حكى عنهم شبهةً أخرى في هذه الآية، وهي قولهم: لو كان رسولًا من عند الله لما انهزم عسكره يوم أُحد، وهو المراد من قولهم: (أنى هذا)، فأجاب عنه بقوله: {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنفُسِكُمْ} أي: هذا الانهزام إنما حصل بشؤم عصيانكم» (١) انتهى ما ذَكراه.

وفيه نظر لأن المنافقين يوم أُحد انخزلوا مع كبيرهم رأسِ النفاق عبد الله بن أُبي، ولم يصبهم انهزامٌ ولا قتل، اللهم إلا أن يقال هو مجازٌ؛ أي إن إصابة إخوانهم وعشيرتهم بالقتل مصيبة لهم، أو يكون على حذف مضافٍ؛ أي: ولما أصاب إخوانكم، وبالجملة، فالقول الأول هو الظاهر" (٢).


(١) القول الوجيز، (آل عمران: ١٥٧ إلخ)، تحقيق: وائل بن محمد بن علي جابر (ص: ١٧٦ - ١٧٧).
(٢) تفسير الرازي (٩/ ٤٢٠).

<<  <   >  >>