للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذلك نظائر هذه الآية كما ذكر السمين الحلبي تدل على أن الإيمان يزيد وينقص، كقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح: ٤]، فالإيمان الذي زِيد هنا هو إيمان أُضيف إلى الإيمان الذي معهم، فالزيادة والإضافة هنا ظاهرة.

وهذه الآيات تدل بصريحها على زيادة الإيمان، وأما نقصان الإيمان فهو مستفاد من مفهومها، إذ أن كل شيء يقبل الزيادة فإنه إذا ذهبت عنه تلك الزيادة عاد إلى النقصان، وكما جاز ذهاب أصل الإيمان بالردة أعاذنا الله منها، فجائز ذهاب تلك الزيادة التي أُضيفت إلى الإيمان، فينقص الإيمان.

ومن الأحاديث الدالة على زيادة الإيمان ونقصانه ما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خُلقًا) (١)، فحُسن الخُلق مما يتزايد به الإيمان ويتكامل، ويُفهم منه أن سوء الخُلق مما ينقص به الإيمان، وهذا هو معنى قول أهل السنة أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.

والأدلة على هذا القول كثيرة من الكتاب والسنة، ويكفي ما جاء التصريح به مما تقدم بيانه في هذا المقام؛ إذ استيعاب الأدلة يحتاج إلى بسط وتفصيل (٢).

[٣) أدلة القول الثاني في المسألة]

أشار السمين الحلبي إلى دليل من قال إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وهو دليل عقلي، وذلك أنهم اعتبروا أن الإيمان هو التصديق القلبي، فإذا صحَّ التصديق ثبت الإيمان، وإن اختل التصديق ونقص لم يكن إيمانًا، بل كان شكًّا وكفرًا.

والإيمان بهذا الاعتبار شيء واحد لا يقبل التجزؤ، فإن ثبت ثبت بكليِّته، وإن ذهب بعضه ذهب كله، وعلى هذا فإنه لا يقبل الزيادة، لأنه التصديق الذي لا يثبت إلا بكليته، فلا يمكن الزيادة عليه وقد ثبت جميعًا، وهو لا يقبل النقصان، لأنه لو ذهب بعضه ذهب كله، فلم يكن تصديقًا ولا إيمانًا (٣).


(١) رواه أبو داود في سننه (٤/ ٢٢٠/ ٤٦٨٢)، والترمذي في الجامع (٣/ ٤٥٨/ ١١٦٢) وقال: حسن صحيح.
(٢) ينظر في رسالة زيادة الإيمان ونقصانه وحكم الاستثناء فيه للشيخ عبد الرزاق البدر (ص: ٣٥ - ١٠٥).
(٣) ينظر في مجموع الفتاوى لابن تيمية (١٣/ ٤٨).

<<  <   >  >>