للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اللين، حيث قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}، فهذا يشير إلى أنهما في معنى واحد، لأن المقابل لهما في الآية شيءٌ واحد.

[٤) الموازنة بين الأدلة]

قد تقدَّم أن من قواعد الترجيح أن "حمل ألفاظ الوحي على التباين أرجح من حملها على الترادف" (١)، وهذه القاعدة نافعة هنا، وبها يظهر مزيد تفصيل في الآية؛ إذ بالتفريق بين الفظاظة والغلظة يتبين لنا سببان لانفضاض الناس عن الداعي إلى الحق:

الأول: سبب ظاهر، وهي الفظاظة، وهي تظهر في القول، وتظهر في الفعل أيضًا، وليست الفظاظة أمرًا باطنًا؛ إذ لا يُوصف القلب بأنه فظ، ولكنها من الأمور الظاهرة التي يُستدل عليها بالأعمال الصادرة من المرء.

الثاني: سبب باطن، وهي غلظ القلب، ويُستدل عليه بعدم ظهور الأعمال التي تدل على رقة القلب وشفقته ورحمته، وهي وصف للباطن، ولا يناسب وصف الظاهر بالغلظة إلا أن يُراد بذلك حقيقته، بأنه جسم صلب قاس، وهذا غير مرادٍ هنا.

وبهذا يتبين الفرق بين الفظاظة والغلظة، وأن الفظاظة تدل على صدور الأقوال والأعمال الجافة، وأن الغلظة تدل على امتناع صدور الأقوال والأعمال الرقيقة الحانية، وهذا المعنى الأخير لا يظهر لو قلنا إن الفظاظة والغلظة بمعنى واحد، ففي قوله تعالى {غَلِيظَ الْقَلْبِ} مزيد بيان، وليس مجرد تأكيد لما قبله، فالفظاظة وإن كانت تدل على غلظة القلب لكنها لا تفي بالمعنى الكامل لغِلظ القلب.

وقد أشار الرازي إلى هذا الفرق فقال: "الفظُّ الذي يكونُ سيءَ الخلق، وغليظُ القلب هو الذي لا يتأثر قلبه عن شيء، فقد لا يكون الإنسان سيءَ الخلق ولا يؤذي أحدًا، ولكنه لا يَرِق لهم ولا يرحمهم، فظهر الفرق من هذا الوجه" (٢).

[٥) النتيجة]

الراجح وجود فرقٍ بين الفظاظة والغلظة، وأنهما ليسا بمعنى واحد، وليس الجمع بينهما لمجرد


(١) ينظر في قواعد الترجيح عند المفسرين للدكتور حسين بن علي الحربي (٢/ ٤٨١ – ٤٩٤).
(٢) تفسير الرازي (٩/ ٤٠٧).

<<  <   >  >>