للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يجعل المرابطة عامةً في كل الطاعات بمعنى المداومة عليها، وعلى هذا جرى قول بعض المفسرين (١).

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثان ضعيفان في معنى القولين جميعا (٢).

[٢) أدلة القول الأول في المسألة]

ذكر السمين الحلبي أدلة القول بأن المرابطة في الآية هي ملازمة الثغور، وذلك يرجع إلى ثلاث أصول:

أولها: أن هذا هو المعهود في الخطاب الشرعي، أن المرابطة تطلق على ربط الخيل للجهاد في سبيل الله، ودليل ذلك الآية التي ذكرها، وهي قوله تعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}، كما أن عموم الأحاديث في المرابطة هي في هذا المعنى (٣)، من ذلك حديث سهل بن سعد أن صلى الله عليه وسلم قال: (رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله، أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها) (٤)، وهو محمولٌ على رباط المجاهدة في سبيل الله كما يدل عليه سياق الحديث.

الثاني: أن هذا هو الموافق للأصل اللغوي، فإن المرابطة أصلها كما ذكر السمين الحلبي من ربط الخيل، ثم غلبت على ملازمة الثغور لأن الخيول تربط فيها، ثم استعملت بعد ذلك بمعنى المداومة والملازمة (٥)، فالرباط الموافق للأصل اللغوي هو الرباط للجهاد في سبيل الله كما أفاده ابن عطية في آخر كلامه.

الثالث: أن هذا هو المناسب للسياق، فإن في السورة حديثًا عن غزوة أُحد كما تقدَّم،


(١) حكاه ابن دريد في جمهرة اللغة (٣/ ٨٥٠) عن بعضهم، وحكاه الواحدي في التفسير البسيط (٦/ ٢٧٦ - ٢٧٧) عن ابن الأنباري، وينظر في تفسير الرازي (٩/ ٤٧٤) والقرطبي (٤/ ٣٢٤) والبيضاوي (٢/ ٥٧).
(٢) روى الأول ابن حبان في المجروحين (١٥/ ٢٩٧ - ٢٩٨) وأبو نعيم في الحلية (٥/ ٢٤٩)، والثاني رواه ابن مردويه كما ذكر ابن كثير في تفسيره (٢/ ١٩٦ - ١٩٧) وقال عنه: "هذا حديث غريب من هذا الوجه جدًّا".
(٣) ذكر طرفًا منها ابن كثير في تفسيره (٢/ ١٩٧ - ٢٠٢).
(٤) رواه البخاري في صحيحه بلفظه (٤/ ٣٥/ ٢٨٩٢) وروى مسلم آخره بمعناه (٣/ ١٥٠٠/ ١٨٨١).
(٥) حكاه ابن سيده عن الفارسي في المحكم والمحيط الأعظم (ر ب ط)، (٩/ ١٦٢).

<<  <   >  >>