للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثاني: مَنْ يثبت تحريم الفعل، لكن يذكر أن الذين تولوا في ذلك اليوم لهم عذرٌ يبيح لهم الفرار، وهي الاعذار التي ذكرها السمين الحلبي، وهذا تفصيلها:

الأول: أن الكفار كانوا يزيدون على الضعف فيباح الفرار حينئذ، كما دل عليه قوله تعالى: {الْئَانَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِاْئَتَيْنِ} الآية [الأنفال: ٦٦]، فأباح الله لهم أن يفروا عن الذين يزيدون على الضعف، وهذه الآية تُقيِّد الآية التي تفيد التحريم.

الثاني: أنهم تحصنوا بالمدينة ليقطعوا أطماع الكفرة منهم، وهذا يمكن أن يعتبر من (التحيُّز إلى فئة) الذي قد جاء الأذن به بعد الآية التي تدل على التحريم، وذلك في قوله: {وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} [الأنفال: ١٦]، وكذلك يُقال في الذين فروا إلى الجبل أنهم متحيِّزون إلى فئةٍ اجتمع في التحيز إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومَن ثبت معه (١).

الثالث: أنهم بسبب اختلال الأمر وانكسار الجيش لم يعرفوا ما حلَّ بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولم يسمعوا نداءه لهم، فبعضهم ظنَّ أنه قُتل بعدما أشيع مقتله، وبعضهم ظن أنه رجع للمدينة، وهذا العذر يبيح لهم التخلف عنه، لأنهم لا يستطيعون معرفة أمره صلى الله عليه وسلم مع اختلال الأمر وإقبال العدو عليهم.

[٤) الموازنة بين الأدلة]

في البداية ننظر في القول بأن التولي في غزوة أُحد كان قبل النهي عنه، وهذا القول ليس بظاهر، لأن الآية التي تدل على النهي عن الفرار وهي قوله {فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ} نزلت في غزوة بدر، فثبت أن تحريم الفرار جاء قبل غزوة أُحد (٢).

فإذا ثبت التحريم فإنه يُنظر في الأعذار التي تبيح فعل المتولين في الآية، ولأجل مناقشة فعلهم وبيان أمرهم ينبغي تعيينهم، وقد اختلف في تعيين المتولين في الآية (٣)؛ قال ابن حجر في


(١) ينظر في المحرر الوجيز (تقدَّم)، والبحر المحيط لأبي حيان (٣/ ٣٩٨) وتفسير السعدي (ص: ٣١٧).
(٢) ويظهر أن الآية عامة وليست خاصة بأهل بدر؛ ينظر في تفسير الطبري (١١/ ٧٦ - ٨١)، والإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه لمكي بن أبي طالب (ص: ٢٩٦ – ٢٩٧)، وأحكام القرآن لابن العربي (٢/ ٣٨٦ - ٣٨٧).
(٣) ينظر في تفسير الطبري (٦/ ١٧٢ – ١٧٤).

<<  <   >  >>