للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[٢) أدلة القول الأول في المسألة]

يستدل للتفريق بين الجملتين بأمرين:

أولًا: التفريق بين الذنوب والسيئات:

استدل من قال بأن الذنوب هي الكبائر والسيئات هي الصغائر بقوله تعالى: {إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}، فجعل الله السيئات هي الشيء الباقي بعد اجتناب الكبائر، فتكون السيئات هي الصغائر (١).

واستدل بالسياق من قال بأن الذنوب هي الكبائر قبل الإسلام والسيئات هي الصغائر بعد الإسلام، لأنهم توسلوا إلى الله بإيمانهم، ثم فرَّعوا عليه طلب المغفرة فقالوا: {رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا}، فتكون الذنوب المرادة هي ما قبل الإيمان، والإيمان يجُبُّ ما قبله من الذنوب وإن كانت كبائر، ويكون تكفير السيئات متعلقًا بالصغائر التي بعد الإيمان، فإذا هداهم الله للإيمان وقاموا بالطاعات واجتنبوا الكبائر كفَّر الله عنهم السيئات الصغائر (٢).

ثانيًا: التفريق بين المغفرة والتكفير:

استدل من فرَّق بين المغفرة والتكفير أن التكفير في الغالب يكون بسبب الطاعات، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفراتٌ ما بينهن إذا اجتنب الكبائر) (٣)، وهو مختصٌ بالصغائر دون الكبائر كما في هذا الحديث، وكما في الكفَّارة، فإنها ناشئة عن طاعة، وهي تختص بالصغائر في أصح القولين، وأما المغفرة فهي بفضل الله ورحمته، ولهذا كانت مع الذنوب الكبائر التي تحتاج إلى توبةٍ يقبلها الله بفضله ورحمته (٤).

[٣) أدلة القول الثاني في المسألة]

استدل جميع من قال إن الجملتين متقاربتين وأن الثانية تؤكد الأولى بما ذكره السمين الحلبي: أن المغفرة والتكفير في اللغة متقاربين، بل من المفسرين من اعتبر أن معناهما في اللغة شيءٌ


(١) ينظر في البحر المحيط لأبي حيان (٣/ ٤٧٤)، ومدارج السالكين لابن القيم (١/ ٣١٨).
(٢) ينظر في نظم الدرر للبقاعي (٥/ ١٥٩)، وروح البيان لإسماعيل حقي (٢/ ١٤٨).
(٣) رواه مسلم في صحيحه (١/ ٢٠٩/ ٢٣٣) من حديث أبي هريرة.
(٤) ينظر في التفسير البسيط للواحدي (٦/ ٢٦١)، ومدارج السالكين لابن القيم (١/ ٣١٨ - ٣١٩).

<<  <   >  >>