للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[٤) أدلة الأقوال الأخرى في المسألة]

يستدل على أن المراد بالذكر في الآية الصلاة -فرضًا كانت أو نفلًا، في ليلٍ أو نهار- بالمناسبة، وذلك في الهيئات المذكورة من القيام والقعود والاضطجاع، فالتدرج المذكور فيها يوافق التدرج في حال المصلي، كما في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (صلِّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب) (١)، إلا أن التدرُّج في صلاة الفرض إنما يكون في حال الاضطرار، وهو في النفل على سبيل التفضيل بين القيام وبين القعود.

[٥) الموازنة بين الأدلة]

الذكر الذي في القلب في كلام أهل العلم ينصرف إلى أحد أمور ثلاثة (٢):

الأول: ذكر الله بالقلب عند أوامره ونواهيه، فينتهى عما نهى عنه، ويمتثل ما أمر به، ويتوقف عما أشكل عليه، فهذا وإن كان يسمى ذكرًا كما في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} [آل عمران: ١٣٥]، إلا أنه ليس هو المراد بالذكر عند الإطلاق، وإنما المعهود بالذكر ذكرُ اللسان.

الثاني: التفكُّر في عظمة الله وجلاله وجبروته وملكوته وآياته، في أرضه وسماواته، فهذا أشبه بالتأمل والتفكر، فيكون عطف التفكُّر في الآية بعده فيه تكرار، ويكون الذكر والتفكر في الآية مترادفين، وهذا يخالف قاعدة الترجيح التي سبق ذكرها عن السمين الحلبي: (حمل ألفاظ الوحي على التباين أرجح من حملها على الترادف).

الثالث: استحضار الأذكار من التسبيح والتهليل ونحوه من أذكار اللسان إذا لم ينطق بها اللسان، وهذا ناقص، فمن المعلوم أن ذكر اللسان مع حضور القلب هو الأكمل، وليس المراد بذكر اللسان في المسألة هنا أن يكون تمتمةً لا روح لها.

وأما الاستدلال بالسياق على ذكر القلب، وأن الآية أقرب في الإشارة إلى عمل القلب، لأنه هو المناسب مع قوله: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ


(١) رواه البخاري في صحيحه (٢/ ٤٨/ ١١١٧)، وفي رواية الحاكم في المستدرك (٢/ ٣٢٨/ ٣١٧٢) أن أحد الرواة من أتباع التابعين وهو إبراهيم بن طهمان ذكر الآية ثم روى الحديث.
(٢) ينظر في إكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض (٨/ ١٨٩).

<<  <   >  >>