للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أهل اللغة من أن الفعل (خلق) قد يأتي بمعنى الجعل والتصيير فيكون له مفعولان، وذلك في مثل قوله: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَة} [المؤمنون: ١٤] (١)، فيكون المعنى أن الله لم يجعل خلقه السماوات والأرض باطلا، وهذا أسهل من حيث الإعراب وإن كان فيه التجوز في المعنى.

[٧) الموازنة بين الأدلة]

ما يميز القول الأول الذي رجَّحه السمين الحلبي أنه هو الظاهر، وأما الأقوال الأخرى فإنها لا تخلو من حذفٍ وتقدير أو تجوُّز.

فعند القول بأن قوله {بَاطِلا} صفة يلزم تقدير مصدرٍ محذوف، وكذلك عند القول بأنه منصوبٌ بنزع الخافض يلزم تقدير حرف الجر المحذوف.

وعند القول بأنه مفعول ثان أو مفعول من أجله فإن ذلك لا يخلو من تسامح وتجوُّز لا تدعو الحاجة إليه؛ قال المنتجب الهمذاني في الكتاب الفريد: "يضعف أن يكون مفعولًا من أجله كما زعم الجمهور؛ أي: للباطل، لأن من شرط المفعول من أجله أن يكون مصدرًا، وليس هذا مصدرًا، وإنما هو اسم فاعل من (بطل الشيء) فهو باطل، وأما مصدره فـ (بُطْل وبُطلان وبُطُول)، وأما جعلهم اسم الفاعل هنا بمعنى المصدر، فعنه مندوحة بما ذكرت، لأن الشيء إذا أتى على أصله لا يخرج عن أصله لغير اضطرار، خصوصًا في الكتاب العزيز" (٢).

وكذلك يقال في التجوُّز في فعل الخلق بأنه بمعنى التصيير، فإن هذا لا يظهر بالتأمل لأنهم قصدوا معنى الخلق ولم يقصدوا معنى التصيير، فإن وجه الاستدلال بالآية هكذا: "ربنا أنت خلقت هذا، ومَن خلق هذا لم يخلقه باطلا، فأنت لم تخلق هذا باطلًا ولا عبثا" (٣).

وأما الاعتراض على القول الأول بأن الحال لا يكون إلا بعد تمام الكلام، وأن هذا لا يستقيم مع الآية هنا (٤)، فقد أجاب عنه السمين الحلبي بأن الحال هنا ملازمة، وذكر له شاهدًا من القرآن على ذلك في قوله: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ}، فهي


(١) ينظر في مشكل إعراب القرآن لمكي (٢/ ٤٩٧)، والمحرر الوجيز لابن عطية (٢/ ٤١)، والتبيان لأبي البقاء العكبري (٢/ ٩٥١)، والكتاب الفريد للمنتجب الهمذاني (٤/ ٥٨٦)، والدر المصون للسمين الحلبي (٨/ ٣٢٢).
(٢) الكتاب الفريد في إعراب القرآن المجيد (٢/ ١٨٨).
(٣) الإشارات الإلهية إلى المباحث الأصولية للطوفي (ص: ١٥١).
(٤) ينظر في المسالك في شرح موطأ مالك لابن العربي (٣/ ٤٢٣).

<<  <   >  >>