للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• ترجيح السمين الحلبي ووجه الترجيح:

يرجِّح السمين الحلبي أن قوله تعالى {اسْتَزَلَّهُمُ} يدل على الطلب، وهذا ظاهر من ثلاثة وجوه:

الأول: أنه فسَّر اللفظ ابتداءً بهذا المعنى، ثم ذكر الخلاف بين الزمخشري وأبي حيان في ذلك، فدل على أن هذا القول هو المعتمد عنده.

الثاني: أنه تعقَّب قول شيخه أبي حيان ولم يتركه، بل ذكر أن السياق والقرائن تدل على القول الآخر.

الثالث: أنه أشاد بهذا القول الآخر وبيَّن مكانته بأنه هو الذي ذكره المفسرون، وجعل قول شيخه أبي حيان منفردًا في مقابل أقوال المفسرين.

وقد اختلف قول السمين الحلبي في هذه المسألة، فتراه هنا يرجِّح معنى الطلب، وكذلك في عمدة الحفاظ، فإنه فسَّر قوله {إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ} أنه بمعنى: "استجرهم وطلب زللهم" (١)، واقتصر على هذا التفسير، فدل على أنه الراجح عنده، لكنه لم يجرِ على ذلك في الدر المصون فقد قال: "والسين في {اسْتَزَلَّهُمُ} للطلب، والظاهر أن (استفعل) هنا بمعنى (أفعل)، لأن القصة تدل عليه، فالمعنى حملهم على الزلة، ويكون كـ (استبلَّ) و (أبلَّ) " (٢)، ففي أول كلامه يقرر معنى الطلب، ثم خالف ذلك مباشرة بأن الظاهر هو القول الآخر وأن القصة تدل عليه، وهذا لا يتوافق مع ترجيحه هنا ولا يتلاءم مع ما ذكره هنا من أن السياق والقرائن تدل على المعنى الذي ذكره المفسرون، وهو معنى الطلب.

فإما أن يكون قوله (والظاهر) في الدر المصون لا يقتضي الترجيح، فإنه قد يذكر الظاهر ولا يرجِّحه كما سبق بيانه، لكن هذا لا يتناسب مع بقية كلامه، وإما أن يكون قد غيَّر رأيه في المسألة.


(١) ينظر في عمدة الحفاظ (مادة: زلل): (٢/ ١٤٧).
(٢) ينظر في الدر المصون (٣/ ٤٥١).

<<  <   >  >>