للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يستدل أيضًا على القول بأن الآيات كلها في غزوة حمراء الأسد بدليلين:

الأول: الروايات في سبب النزول لقوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} وما بعده (١)؛ قال قتادة: "انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وعصابةٌ من أصحابه بعدما انصرف أبو سفيان وأصحابه من أُحد خلفهم، فجعل الأعراب والناس يأتون عليهم، فيقولون لهم: هذا أبو سفيان مائلٌ عليكم بالناس، فقالوا: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}، فأنزل الله تعالى فيهم: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} ".

الثاني: السياق، وذلك في قوله {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ}، ثم قوله: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ}، فظاهرٌ أن الذين استجابوا هم أنفسهم الذين قال لهم الناس ما قالوا، وعليه فتكون الآيات نازلة في طائفةٍ واحدةٍ، وهي العصابة التي خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة حمراء الأسد، فإنها التي ذُكر فيها القرح (٢).

[٤) الموازنة بين الأدلة]

أما من حيث الروايات في سبب النزول فقد جاء التصريح بذكر النزول لكلا القولين، لكن الروايات التي تجعل الآيات كلها نازلة في غزوة حمراء الأسد أكثر وأشهر، فهي المقدَّمة على غيرها.

ولم يروَ في وقت نزول الآيات شيء صريح، لكن روى الطبري عن ابن عباس ما يُفهم منه أن الآيات نزلت في نفس السنة من غزوة أُحد، حيث ذكر أن (وقعة أُحد كانت في شوال، وكان التجار يقدمون المدينة في ذي القعدة، فينزلون ببدر الصغرى في كل سنة مرة، وأنهم قدموا بعد وقعة أُحد)، ثم أشار إلى ما ذُكر في الآيات كلها وأخبر بالنزول (٣)، وعلى ذلك قال مقاتل


(١) روى ذلك الطبري في تفسيره (٦/ ٢٤٨ - ٢٤٩) والواحدي في أسباب النزول (ص: ١٣٠ - ١٣٢).
(٢) ينظر في تفسير الطبري (٦/ ٢٥٢).
(٣) رواها الطبري في تفسيره (٦/ ٢٤٢) بإسناد ضعيف، وفيها ذِكرُ الرجال الذين خرجوا مع الرسول، وهم الذين ذُكر أنهم خرجوا معه لحمراء الأسد، وذكر المكان (بدر الصغرى) والحدث المرتبط به، وهو نزول التجار فيها، ولم يذكر فيها موعد أبي سفيان، وذكر أنهم ذهبوا في طلبه حتى بلغوا الصفراء قريبًا من بدر الصغرى والله أعلم.

<<  <   >  >>