للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من أهل البصرة أنه إن قيل: كيف يكون … " فذكر قوله (١).

ثم جاء ابن عطية فحرَّر القول الثاني ووضَّحه، وبيَّن حكمه الإعرابي، وقد ابتدأ في الآية بذكر القول الأول، ثم ذكر القول الثاني وبيَّن أنه قولٌ محتمل (٢)، وقد تعقَّبه أبو حيان وذكر أن كلامه في القول الثاني خلاف الظاهر (٣)، وتبعه السمين الحلبي على ذلك وزاد عليه.

ولم أقف على من تعرَّض للقول الثاني بعد هذا، بل بقية أهل العلم يقتصرون في الإعراب على القول الأول (٤).

[٢) أدلة القول الأول في المسألة]

ذكر السمين الحلبي الدليل على أن المغفرة مبتدأ بأن هذا هو الظاهر، وذلك من وجهين:

الأول: من حيث ظهور اللفظ، فإن لفظ المغفرة هو المذكور الظاهر أولًا في الجملة فيكون هو المبتدأ، وهذا أظهر من أن يكون المبتدأ مضمرًا كما في القول الآخر.

الثاني: من حيث السلامة من الحذف، فإن الحذف في هذا القول أقل من الحذف في القول الآخر على ما بيَّنه السمين الحلبي، فإذا كان لا بد من حذف، فإنه يُكتفى بما لا بد منه ولا يزاد عليه بحذفٍ آخر.

[٣) أدلة القول الثاني في المسألة]

لم أقف على دليل خاصٍّ لهذا القول، لكن يمكن أن يستدل له بمناسبة المعنى من وجهين:

الأول: أن جعل المبتدأ هو اسم الإشارة المضمر (ذلك) فيه إشارة إلى مضمون الجملة السابقة؛ أي: ذلك (القتل في سبيل الله أو الموت) مغفرةٌ من الله، وهذا أنسب في تسلسل الكلام، بأن يكون الربط بالجملة السابقة في بداية الجملة اللاحقة (٥).

الثاني: ما ذكره ابن عطية من أن هذا القول يتضمن تسمية الموت والقتل في سبيل الله


(١) ينظر في تفسير الطبري (٦/ ١٨٢)، وقد ذكر الدكتور حسين بن علي الحربي في (منهج الإمام ابن جرير الطبري في الترجيح بين الأقوال التفسيرية) أن هذه الصيغة من صيغ التضعيف عنده، وذكر تفصيلها: (١/ ٨٥، ٩٠ - ٩٢).
(٢) ينظر في المحرر الوجيز (١/ ٥٣٢ - ٥٣٣).
(٣) ينظر في البحر المحيط (٣/ ٤٠٥).
(٤) ينظر في التبيان لأبي البقاء العكبري (١/ ٣٠٥)، والكتاب الفريد للمنتجب الهمذاني (٢/ ١٥٧)، وروح المعاني للآلوسي (٢/ ٣١٧)، وإعراب القرآن وبيانه لمحيي الدين درويش (٢/ ٨٦)، والتفسير المنير للزحيلي (٤/ ١٣٤).
(٥) وهذا مستفاد مما ذكره الأخفش في هذه الآية، وسيأتي النقل عنه.

<<  <   >  >>