للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما يظهر من أقوالهم واستدلالهم، وإن كان بعضهم لا يخالف في مسألة تشديد الفعل، لكن اختار حرف الجر المقدَّر لمزيد البيان في التقدير (١).

[٢) أدلة القول الأول في المسألة]

يستدل للقول بأن التقدير في الآية (إنما ذلكم الشيطان يخوِّفكم بأوليائه) بثلاثة أدلة:

الأول: ما روي من القراءة في ذلك، كما أشار إليه السمين الحلبي، حيث روي عن أُبي بن كعب رضي الله عنه أنه قرأ: (يخوفكم بأوليائه) (٢)، فهذه القراءة توافق التقدير المذكور في هذا القول.

الثاني: أن هذا الأسلوب معروفٌ في اللغة بتعدية الفعل إلى المفعول بحرف الجر المقدَّر،

كما أن هذا التقدير الموفق لما جاء مُظهَرًا في الآيات الأخرى مع الفعل (يخوِّف) حيث ذُكر حرف الجر (الباء) مع هذا الفعل، كقوله تعالى: {ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ} [الزمر: ١٦]، وقوله: {وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [الزمر: ٣٦]، فهذا الحرف المُظهَر في الآيتين بمنزلة الحرف المقدَّر في قولهم: يخوِّفكم بأوليائه (٣).

الثالث: السياق، وهو دليل مشترك بين القول الأول والثاني، وسيأتي بيانه.

[٣) أدلة القول الثاني في المسألة]

استدل السمين الحلبي أن التقدير في الآية (إنما ذلكم الشيطان يخوِّفكم أولياءه) بدليلين:

الأول: ما روي من القراءة في ذلك، حيث جاء في قراءة عبد الله بن مسعود وابن عباس: (يخوفكم أولياءه) (٤)، فهذه القراءة توافق التقدير المذكور في هذا القول.

الثاني: السياق، وذلك في قوله: {فَلَا تَخَافُوهُمْ}، فالضمير هنا يرجع إلى الأولياء الذين يخوِّف بهم الشيطان، وهم أبو سفيان ورهطه، وهذا الدليل مشترك بين القول الأول والثاني؛ إذ


(١) هذا ما يظهر من قول الطبري في تفسيره (٦/ ٢٥٦ - ٢٥٧) وقول أبي علي في الحجة (٢/ ٣٢٩ - ٣٣٠).
(٢) رواها الثعلبي في تفسيره (٩/ ٤٧٣)، وذكر أبو حيان في البحر المحيط (٣/ ٤٤٠) أن إبراهيم النخعي قرأ بها أيضا، وهذا خلاف ما ذكره النحاس في معاني القرآن (١/ ٥١٢) وابن عطية في المحرر الوجيز (١/ ٥٤٤).
(٣) ينظر في الحجة لأبي علي الفارسي (٢/ ٣٢٩ - ٣٣١)، والمقاصد الشافية للشاطبي (٣/ ١٤٤).
(٤) ذكرها الثعلبي في تفسيره (٩/ ٤٧٢) عن ابن مسعود، ورويت من طريق عطاء عن ابن عباس في التفسير من الجامع لابن وهب (٣/ ٤٧)، وتفسير ابن أبي حاتم (٣/ ٨٢٠)، وفي المصاحف لابن أبي داود (ص: ١٩١)، ورواها أيضًا عن عطاء وحده (ص: ٢٢٠)، وذكر ابن جني في المحتسب (١/ ١٧٧) أنها قراءة ابن عباس وعطاء وعكرمة.

<<  <   >  >>