للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد نقل أبو حيان بعض كلامه ولم ينسبه إليه، وجعله قولًا آخر في المسألة وردَّ عليه (١)، ثم تبعه السمين الحلبي.

[٢) أدلة القول الأول في المسألة]

ذكر السمين الحلبي دليل هذا القول أنه سبب النزول، فالآية نازلة في شأن غزوة أُحد استجابةً لأمرٍ واحد هو أمر النبي صلى الله عليه وسلم، كما ثبت عن عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ} أنها قالت لعروة بن الزبير: يا ابن أختي، كان أبواك منهم: الزبير وأبو بكر، لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصابَ يوم أُحد، وانصرف عنه المشركون، خاف أن يرجعوا، قال: (من يذهب في إثرهم) فانتدب منهم سبعون رجلا، قال: كان فيهم أبو بكر والزبير (٢).

[٣) أدلة القول الثاني في المسألة]

يمكن أن يستدل للقول الثاني بأن الاستجابة لله تعالى هي المقصودة أولًا، والاستجابة للرسول صلى الله عليه وسلم تبعٌ لها، فلا بد من ذكر الاستجابة الأولى (وهي الاستجابة لله) من غير الاقتصار على الاستجابة الثانية (وهي الاستجابة للرسول صلى الله عليه وسلم) (٣).

[٤) الموازنة بين الأدلة]

قد دل سبب النزول على أن الاستجابة في الآية كانت لأمرٍ واحد هو أمر النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينزل وحيٌ من الله يأمرهم بالخروج إلى المشركين، وإنما أمرهم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم (٤).

ومعلومٌ أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم جاء في الآية بعد أمر الله، وأن الاستجابة لله مقصودةٌ في الآية، لكن الثابت في سبب نزول الآية والأمر الذي وقعت الاستجابة له هو أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت الاستجابة لأمر النبي هي استجابةٌ لأمر الله.


(١) ينظر في تفسير الراغب (٣/ ٩٨٨)، والبحر المحيط لأبي حيان (٣/ ٤٣٥)، وفي نسخة تفسير الراغب سقط من أول كلامه على الآية، ويمكن أن يُفهم من بقية كلامه أنه يقول بالقول الثاني كما نقل عنه أبو حيان.
(٢) رواه البخاري في صحيحه (٥/ ١٠٢/ ٤٠٧٧) بهذا اللفظ، ورواه مسلم (٤/ ١٨٨٠/ ٢٤١٨) مختصرًا، وينظر في أسباب النزول للواحدي (ص: ١٣٠)، والصحيح المسند من أسباب النزول لمقبل الوادعي (ص: ٥٦).
(٣) مستفاد مما ذكره الراغب الأصفهاني في تفسيره (٣/ ٩٨٨).
(٤) ينظر في تفسير العثيمين لسورة آل عمران (٢/ ٤٤٨).

<<  <   >  >>