للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واحد (١)، وكذلك أيضًا الذنوب والسيئات، بينهما تقارب، وهذا التقارب أو الترادف بين هذه الألفاظ في اللغة يقوِّي جانب التأكيد.

ويمكن أن يستدل بأن الجملتين بمعنى واحد أنهما دعاء، وقد أجاب الله دعاءهم بقوله: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [آل عمران: ١٩٥]، فذكر تكفير السيئات فقط، ولم يذكر غفران الذنوب، فدل على أن تكفيره تعالى للسيئات استجابة قامت مقام الأمرين جميعا، وأنهما بمعنى واحد.

[٤) الموازنة بين الأدلة]

التقارب ظاهرٌ بين الألفاظ في المغفرة والتكفير وفي الذنوب والسيئات، ولهذا فإنه يدخل أحدها في الآخر، أو يقوم أحدها مقام الآخر، كما في استجابة الله للأمرين بقوله: {لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ}، ويدخل التكفير في جنس المغفرة، لأن المغفرة أعم، فهي بفضل الله ورحمته كما تقدَّم، وتدخل الذنوب في السيئات، لأن السيئة أعم، فإنها وُضعت في مقابل الحسنة (٢).

لكن هذا التقارب لا يعني أن هذه المعاني شيءٌ واحد، وأنه لا يُفرَّق بينها عند اقتران بعضها ببعض، بل المناسب التفريق بينها لأمرين:

الأول: أن هذا هو الموافق للقاعدة الترجيحية أن (التأسيس أولى من التأكيد) (٣)، فيكون قوله تعالى {رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا} في التوبة من كبائر الذنوب، ويكون قوله تعالى {وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا} في طلب التجاوز عن الصغائر وقبول الأعمال الصالحة التي تكفرها.

الثاني: أن هذا هو المناسب للسياق، لأن السياق في دعاء الله ورجاء رحمته، فالمناسب هو التفريق وتكثير المعاني لأجل تتميم الرجاء بالعفو، واستيعاب جميع أنواع الخطايا (٤)، وهذا المعنى


(١) ينظر في تفسير الرازي (٩/ ٤٦٧).
(٢) ينظر في مدارج السالكين لابن القيم (١/ ٣١٨) والعواصم والقواصم لابن الوزير (٩/ ١٠١).
(٣) ينظر في حاشية القونوي على تفسير البيضاوي (٦/ ٤٥٦).
(٤) ينظر في حاشية الطيبي على الكشاف (٤/ ٣٨٧).

<<  <   >  >>