للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[٤) الموازنة بين الأدلة]

أما ما جاء من الإطلاق في ذكر الله في هذه الآية وغيرها فإن السنة هي التي تبين آيات القرآن وتوضحها، والذي ثبت في السنة إنما هو كراهية ذكر الله في الخلاء، وذلك بالامتناع من رد السلام في تلك الحال، لأن السلام يتضمن ذكر الله ودعاءه، ولو كان الذكر في تلك الحال غير مكروه لم يمتنع النبي صلى الله عليه وسلم من رد السلام.

وقد بيَّن عليه الصلاة والسلام الأصلَ في تنزيه الذكر في قوله: (إني كرهت أن أذكر الله عز وجل إلا على طُهر أو قال على طهارة)، ففي هذا بيان أن الذكر مكروه في الأحوال التي تخالف الطُهر والطهارة، وأشد تلك الأحوال حال التخلي وقضاء الحاجة.

وقد شهِد القياس لهذا المعنى فيما ذكره السمين الحلبي من المنع من دخول الخلاء بشيء في ذكر الله، وكذلك أيضًا ما جاء من المنع من إقامة الصلاة في مواضع النجاسة، والصلاة إنما هي ذكرٌ ودعاء.

وأما ما ثبت في السنة من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحيانه، فقد ذكر ابن القيم ما مضمونه أن هذا الحديث يدل على أنه صلى الله عليه كان يذكر ربه في حال طهارته وجنابته، وأما في حال التخلي فلم يكن أحدٌ يشاهده حتى يحكي سنته في ذلك، ولكنه صلى الله عليه وسلم شرع لأمته من الأذكار قبل التخلي وبعده ما يدل على مزيد الاعتناء بالذكر، وأما عند نفس قضاء الحاجة فلا ريب أن لا يُكره بالقلب، لأنه لا بد لقلبه من ذكر، ولا يمكنه صرف قلبه عن ذكر من هو أحب إليه، فلو كُلِّف القلب نسيانه لكان تكليفًا بالمحال، فأما الذكر باللسان على هذه الحالة فليس مما شُرع لنا ولا نَدبنا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكفي في هذه الحال استشعار الحياء والمراقبة والنعمة عليه في هذه الحالة وهي من أجل الذكر، فذكر كل حالٍ بحسب ما يليق بها، واللائق بهذه الحال التقنُّع بثوب الحياء من الله تعالى وإجلاله (١).

[٥) النتيجة]

الراجح أن إطلاق الذكر في الآية لا يفيد مشروعية الذكر في حال الخلاء، لأنها حالٌ مستثناة ثبتت كراهيتها في السنة، فيكون حكمها الكراهة لا التحريم، لكن تعظُم الحرمة إذا


(١) ينظر في الوابل الصيب لابن القيم (ص: ٦٧ - ٦٨).

<<  <   >  >>