[المطلب الأول: طريقة السمين الحلبي في تبيين القول الراجح]
مما سبق في تعريف الترجيح في اللغة والاصطلاح يتبيَّن أن عملية الترجيح تمر بشيئين:
• الأول: الموازنة بين الأقوال، والنظر في أوجه القوة والضعف فيها.
• الثاني: تبيين القول الراجح منها، وإظهار فضله على بقية الأقوال.
والثاني منهما هو الذي لا بد من ظهوره والوقوف عليه لمعرفة القول الراجح، وأما الموازنة بين الأقوال فقد يُظهرها المُرجِّح وقد لا يُظهرها، فيكتفي بإجراء الموازنة بين الأقوال في ذهنه، ثم يبين القول الذي ترجَّح عنده.
فعند دراسة طريقة أحد المصنفين في الترجيح يجدر التنبه للأمرين، ونظرًا إلى أن الأمر الثاني هو الذي يظهر دائمًا في الترجيح، وهو أسهل في البيان من الأمر الأول، فقد اخترت البدء به هنا، وجعلته المطلب الأول.
يسلك السمين الحلبي طرقًا متعددة يمكن من خلالها معرفة القول الراجح عنده، وهذه الطرق منها ما هو ظاهرٌ جَلِي، يتضمَّن ألفاظ الترجيح، مثل تصريحه بالقول الراجح في بداية المسألة (كأن يقول: في المسألة ثلاثة أقوال، أظهرها كذا وكذا)، أو أثناء تعداد الأقوال في المسألة (كأن يقول: والقول الثاني -وهو الظاهر- كذا وكذا)، أو أن يذكر ذلك في آخر المسألة (كأن يقول: والقول الأول هو الصحيح)، فهذه الأمثلة ظاهرة لا تحتاج إلى تفصيل، وقد تقدَّم ذكر شواهدها في ألفاظ الترجيح، لكن الشأن في الطرق التي يسلكها ولا يُصرِّح فيها بألفاظ الترجيح، ويُعلَم من عادته أنها قرائن تدل على تقويته للقول، وتقديمه على غيره، وهي في النقاط الآتية:
أولًا: أن يعتمد على أحد الأقوال في التفسير ثم يذكر الخلاف بعده:
ربما اعتمد السمين الحلبي على معنى القول الراجح في ذكر مناسبة الآية لما قبلها أو في تفسير الآية أو في إعرابها، وهذا إشارةٌ منه إلى ترجيحه لهذا القول، فمن فسَّرَ الآية بقولٍ فهو مختارٌ له (١)، وهذه قاعدة نافعة في معرفة الترجيح إذا لم يكن ظاهرًا من ألفاظ الترجيح؛ أن يُنظَر في كلام المصنف قبل ذكر الخلاف أو بعده، فإن كان معتمدًا على أحد الأقوال التي ذكرها في
(١) ينظر في منهج الإمام ابن جرير الطبري في الترجيح بين الأقوال التفسيرية للدكتور حسين بن علي الحربي (١/ ٧٨).