للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخلاف، فهذا إشارةٌ منه إلى ترجيحه لذلك القول، ومن أمثلة هذا عند قوله تعالى: {وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئا} [آل عمران: ١٧٦]؛ قال رحمه الله في بداية تفسيره لهذه الآية: "وجه مناسبتها لما تقدَّمها أن يُقال: لمَّا نهى المؤمنين عن خوف الكفار وأمرهم بخوفه خاصة عقَّب ذلك بنهيه لرسوله عليه السلام بأن لا يحزنه أمرهم ولا يهتم بشأنهم، فإن ما يكيدون به راجعٌ عليهم لا يتعداهم.

ومعناه: لا تتوقع خيرًا ولا ضررًا منهم، ولذلك علَّل بقوله: {إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئا}

وقيل: معناه: لا تهتم بعدم إيمان من لم يؤمن من قومك، فإن ذلك ليس إليك … غير أن هذا التفسير لا يلائمه قوله بعد ذلك: {إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئا} كل الملاءمة" (١).

فيظهر هنا اعتماده على القول الراجح عند ذكر مناسبة الآية لما قبلها، واعتماده عليه في تفسير الآية بعد ذلك.

ثانيًا: أن يقدِّم أحد الأقوال عند ذكر الخلاف في المسألة ويبدأ بذكره أولًا:

هذه الطريقة اصطلاحيةٌ في الترجيح، فإذا اصطلح المفسِّر على تقديم القول الراجح -سواء ذكر هذا الاصطلاح أو عُرف بالاستقراء- فإن هذا يعتبر في الاعتداد بترجيح القول الذي يُقدِّمه أولًا، سواء نصَّ على ترجيحه أو لا (٢)، والذي يظهر بالاستقراء أن السمين الحلبي يراعي تقديم القول الأول في عرض الأقوال، ويعتبر التقديم إشارة إلى الترجيح، والذي يدل على مراعاته لهذا الاصطلاح أنه يعمل به مع غيره، فقد ذكر مسألةً وذكر القولين فيها ثم قال: "والزمخشري حكى القولين إلا أنه بدأ بالثاني فقال … " (٣)، والذي يظهر في الكشاف أن الزمخشري يرجِّح هذا القول الذي بدأ به، لأنه ذكر وجهه وأجاب عن الإشكال عليه (٤)، وفي


(١) القول الوجيز، (آل عمران: ١٥٧ إلخ)، تحقيق: وائل بن محمد بن علي جابر (ص: ٢٨٢ - ٢٨٣).
(٢) ينظر في منهج الإمام ابن جرير الطبري في الترجيح بين الأقوال التفسيرية للدكتور حسين بن علي الحربي (١/ ٩٣).
(٣) القول الوجيز، (آل عمران: ١٥٧ إلخ)، تحقيق: وائل بن محمد بن علي جابر (ص: ٢٥٤).
(٤) ينظر في الكشاف (١/ ٤٤١).

<<  <   >  >>