للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الترجيحية عنده: (إذا أمكن بقاء الشيء على موضوعه فهو أولى).

وهذا واردٌ إذا كان المراد بالعلم النسبة، أما إذا كان المراد بالعلم الأعيان والذوات فيتعين الاكتفاء بمفعول واحد، وأيضًا فإنه إذا كان في الآية مفعول واحد يستقيم به المعنى فالأولى أن يُكتفى به، لأن إثبات المفعول الثاني يحتاج إلى تقدير، وعدمُ التقدير أولى، كما ذكر الآلوسي.

فالذي يظهر والله أعلم أن هذا هو ضابط الترجيح في هذه الآية وفي غيرها؛ أن العلم إذا أُريد به الأعيان والذوات فإنه يتعدى إلى مفعول واحد، وإذا أُريد به النسبة تعدَّى إلى مفعولين.

[٥) النتيجة]

الذي يظهر في قوله تعالى {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ} أن فعل (يعلم) يتعدى إلى مفعول واحد، لأن المراد معرفة أعيان الذين آمنوا، فهذا العلم الذي يُراد من الابتلاء الذي أشير إليه فيه الآية من قوله {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ}، ولا يراد من الابتلاء العلمُ بنسبة شيءٍ إلى الذين آمنوا، بل المراد معرفة أعيانهم وإكرامهم على صبرهم وثباتهم.

وأيضًا، فإن المذكور في الآية هو مفعول واحد، فلا حاجة إلى تقدير المفعول الثاني، وبعيدٌ أن يكون في الآية مفعولان وأن يكون التقدير: (وليعلم الذين آمنوا مميزين بالإيمان من غيرهم)، لما فيه من التكلف في تقدير المفعول الثاني من غير مُوجِب، لأن معرفة الشيء بعينه تقتضي تمييزه عما سواه.

كما أنه قد جاء التصريح بعد ذلك في أن المراد هو معرفة الأعيان، وذلك في قوله: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ ١٦٦ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ} [آل عمران: ١٦٦ - ١٦٧]، فذكر المؤمنين بأعيانهم، وذكر المنافقين بأعيانهم.

فالفعل في الآية يتعدى إلى مفعول واحد، والله أعلم.

<<  <   >  >>