للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يوم بدرٍ ويوم أُحد (١)، وهذا المعنى أولى بأن يُحمل عليه قول الزجاج، أما المعنى المذكور هنا فإنه يمتنع حمل المِثلَين عليه كما فصَّل ذلك السمين الحلبي.

وعلى هذا المعنى الذي ذكره أهل العلم يكون قول الزجاج مشابهًا للقول الثالث إن لم يكن هو، وهو أن المثلية بالنسبة إلى الانهزام، فيجتمع قول الزجاج والقول الثالث في قولٍ واحد وهو أن المسلمين أُصيبوا في يوم أُحد (بمطلق القتل أو بالهزيمة في نهاية المعركة)، وأنهم أصابوا المشركين في يوم بدرٍ ويوم أُحد (بمطلق القتل أو بالهزيمة في أول المعركة)، وعلى هذا، فالمسألة فيها قولان فقط، كما جرى أهل العلم على ذلك، لكن أبا حيان رجع إلى ما ذكره ابن عطية فجعله قولًا ثالثًا ولم يتعقبه (٢)، ثم تبعه السمين الحلبي في ذلك وذكر التفصيل في الرد على هذا القول.

[٢) أدلة القول الأول في المسألة]

أشار السمين الحلبي إلى الدليل على أن المماثلة في قوله {قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا} هي المماثلة في العدد أن هذا القول هو الذي تظهر به المنَّة وتمام النعمة، وذلك أن نعمة الله على المؤمنين في غزوة بدر أعظم وأظهر، فامتنَّ الله عليهم بتلك النعمة، وعلى هذا فيكون المِثلان في الآية أنهم في غزوة بدر قتلوا من المشركين سبعين وأسروا سبعين (٣).

وقد دل على أن الآية سيقت للامتنان الاستفهام في قوله {أَوَلَمَّا} حيث إنه تضمَّن توبيخهم على التعجُّب من المصيبة التي أصابتهم مع نسيانهم النعمة السابقة من الله لهم، كما دل على الامتنان أيضًا قوله تعالى في الآية السابقة: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا} الآية [آل عمران: ١٦٤].

[٣) أدلة القول الثاني والثالث في المسألة]

يُستدل للقول الثاني والثالث أن سياق الآيات لا زال في غزوة أُحد، وأن قوله تعالى {قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا} فيه تخفيفٌ لهم عمَّا أصابهم، فالأَولى أن يُذكر في هذا التخفيف ما أحرزوه في غزوة أُحد، فإن هذا مما يهوِّن عليهم المصيبة التي أصابتهم فيها.


(١) ذكر هذا المعنى عن الزجاج الواحدي في التفسير البسيط (٦/ ١٥٢)، وابن الجوزي في زاد المسير (١/ ٣٤٤)، والرازي في تفسيره (٩/ ٤٢٠)، ولم يرجحوا قوله.
(٢) ينظر في البحر المحيط لأبي حيان (٣/ ٤١٩).
(٣) وينظر في البحر المحيط لأبي حيان (٣/ ٤١٩).

<<  <   >  >>