للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثبتت الحقيقة بخبر الصادق المصدوق فلا عدول عنها (١).

ثم إن الآيات التي ذكروا فيها أنها من قبيل تشبيه الأمور المعنوية بالأمور الحسية هي آيات يظهر منها ومن سياقاتها أنها في أمورٍ معنوية، كقوله: {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ}، فالأوزار هي الآثام، وهي أمرٌ معنوي، لكن قوله تعالى {يَأْتِ بِمَا غَلَّ} ليس فيه ذكر أمرٍ معنوي إلا بمخالفة الظاهر، فلا يُحمل على أنه من قبيل تشبيه الأمور المعنوية بالأمور الحسية لأنه ليس ثمة أمور معنوية هنا.

وأما القول الثالث أنه يؤخذ من حسناته عِوَضَه وإلا عُوقب فالذي يظهر أنه ليس تفسيرًا للآية، وإنما غايته إن صحَّ أن يكون من أحكامها؛ أي إن الغال يكون حكمه يوم القيامة كذلك، فهذا القول ليس فيه ذكر الشيء الذي يأتي به الغال حتى يكون تفسيرًا لقوله {يَأْتِ بِمَا غَلَّ} إلا أن يقال إنه يأتي بعِوَض الشيء الذي غله وهي الحسنات يومئذ، وهذا بعيد يخالف الظاهر.

[٧) النتيجة]

الراجح أن المراد بقوله {وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أنه يأتي بعين الشيء الذي غله، والأحاديث تدل على هذا المعنى، وليس في الآية ذكر شيء يأتي به الغال غير الشيء الذي غله، فتحمل الآية على هذا المعنى تسليمًا للغيب الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يُحال في تفاصيل هذا الأمر وكيفيته مما لم يُذكر في الأحاديث إلى علم الله جلَّ وعلا، فهو الذي توعَّد هذا الغال، وهو أعلم بما ينجز به هذا الوعيد.

ثم في الآخرة أحوال وأهوال لا تقاس بحال الدنيا، ولهذا سأل رجلٌ أبا هريرة عن الذي يغل مئتي بعير؛ كيف يأتي بها يوم القيامة؟ فقال رضي الله عنه: "أرأيت من كان ضرسه مثل أُحد، وفخذه مثل ورِقان، وساقه مثل بيضاء، ومجلسه ما بين المدينة إلى الربذة؛ ألا يحمل هذا؟! " (٢).

وحمل الآية على أن الغال يأتي بعين الذي غله أبلغ من الحمل على أنه يأتي بإثم الذي


(١) ينظر في تفسير القرطبي (٤/ ٢٥٦ - ٢٥٨) حيث ذكر القاعدة واستدل لها، وينظر في تفسير الرازي (٩/ ٤١٤)، وروح المعاني للآلوسي (٢/ ٣٢٢)، وقواعد الترجيح للدكتور حسين بن علي الحربي (٢/ ٣٨٧ - ٣٩٥).
(٢) رواه ابن أبي حاتم في تفسيره (٣/ ٨٠٥).

<<  <   >  >>