للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالمناسب أن تكون الآية الخاتمة في الصبر على الغزو والمرابطة في سبيل الله (١)، كما أن قوله في هذه الآية: {وَصَابِرُواْ} هو من مصابرة العدو، لأن المصابرة على وزن المفاعلة، وهي لا تكون في الغالب إلا بين اثنين فأكثر (٢).

[٣) أدلة القول الثاني في المسألة]

حكى السمين الحلبي دليل القول الثاني وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخُطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط) (٣)، فقوله: (فذلكم الرباط) فيه تعظيمٌ للمذكورات في الحديث، وبيانٌ لأحقيتهن بوصف الرباط، وعليه، فتُفسَّر المرابطة التي في الآية بهذه المذكورات، لأنهن من أحق الرباط الذي تكون به المرابطة.

[٤) الموازنة بين الأدلة]

الظاهر أن أدلة القول الأول أقوى وأكثر، لكن يبقى الإشكال الذي ذكره أبو سلمة على هذا القول من أنه لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم غزوٌ يُرابط فيه، وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج إلى الغزو ويرجع، ولم تكن المرابطة إلا بعد أن كثرت الفتوحات وانتشر الإسلام في الأرض، فاحتاج المسلمون إلى المرابطة في الثغور عند حدودهم.

والجواب عنه أن ينبغي أن تُفسَّر المرابطة بالمعنى الذي كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وليس بالمعنى الذي اختصت به بعد ذلك، فالمرابطة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن مختصة بالثغور التي تكون في حدود الدولة، وإنما كانت باقيةً على معناها الأصلي وهو ربط الخيل استعدادًا لمواجهة العدو (٤)، وعلى ذلك ينطبق قوله تعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ}، ويؤيد ذلك أيضًا بأنه "قد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه سمَّى حراسة جيش المسلمين رباطًا، وأخرج الطبراني في الأوسط بسند جيد عن أنس قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أجر المرابط فقال: «مَنْ رابط ليلةً حارسًا من


(١) ينظر في حاشية الطيبي على الكشاف (٤/ ٣٩٨)، وسيأتي قول السمين الحلبي في مناسبة ختم السورة.
(٢) ينظر في تفسير الطبري (٦/ ٣٣٦) وتفسير العثيمين لسورة آل عمران (٢/ ٦٠٢).
(٣) رواه مسلم في صحيحه (٣/ ١٥٠٠/ ١٨٨١) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٤) ينظر في التحرير والتنوير لابن عاشور (٤/ ٢٠٨).

<<  <   >  >>