للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثاني: أن في سياق الآية ما يشير إلى أنها في شأن الكافرين، لأنه جاء في آخرها: {وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ}، والمراد بالظالمين: الكافرين، كما قال تعالى: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: ٢٥٤] (١).

[٤) الموازنة بين الأدلة]

الظاهر من الإطلاق المذكور في قوله {إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} أنه الخزي الذي يعم كل من دخلها من مؤمنٍ وكافر، لأن حكم الخزي معلَّق بالدخول، فيصح على كل من دخلها.

ويؤيد هذا المعنى ما ثبت في السياق من أوله إلى آخره، فإنه لا يُتصور منه أنهم يعنون مجرد الدخول الذي يخص الكافرين، وأنهم لم يستعيذوا من الخزي الذي قد يلحق المؤمن إن دخل في النار.

والآية وإن كان في سياقها ذكرُ الكافرين الظالمين إلا أن تعوُّذهم بالله من النار قبل ذلك يشيرون به إلى ما يصيب المؤمنين، فيدخل المؤمنون في الخزي المذكور بعد ذلك، فتعوذوا بالله من الخزي كله، سواء الذي يلحق المؤمن أو الكافر، ثم أشاروا إلى حال الكافرين وأن لهم فوق الخزي ما هو أشد منه، وهو أنه لا نصير لهم.

ويمكن أن يقال إن الظالمين هنا هم الكافرون وعصاة المؤمنين الذين استحقوا النار، وأنه لا ناصر لهم من دون الله، فيبقى الكافرون في عذاب الله، وأما أهل الإيمان فإن الله ينصرهم وإن كانوا عصاة، فيخرجهم من النار برحمته، ويرفع عنهم الخزي.

وأما ما جاء من الإخبار بأن الخزي في الآخرة هو على الكافرين، فإن هذا لا ينفي أن بعض عصاة المؤمنين يلحقهم خزيٌ بسبب ذنوبهم، كما لحق الكافرين خزيٌ بسبب كفرهم.

وأما قوله تعالى: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ}، فهذا على وجه العموم، ولا يُشكل عليه أن بعض المؤمنين قد يلحقهم خزي، فإنه "لا يَصدُق إذا أُخزي مؤمنٌ واحدٌ أو بعض المؤمنين أن الله قد أخزى المؤمنين" (٢).


(١) ينظر في البحر المحيط لأبي حيان (٣/ ٤٧٢).
(٢) العواصم والقواصم لابن الوزير (٩/ ٣٠٩)، وينظر في تفسير سورة آل عمران للعثيمين (٢/ ٥٥٠ - ٥٥١).

<<  <   >  >>