للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبهذا يتميز القول الأول بأنه أظهر من حيث سلامته من الحذف والتقدير، وإن كانت الأقوال كلها لم تسلم من التجوُّز.

ومما يرجِّح القول الأول ما ذكره السمين الحلبي من القاعدة الترجيحية بأن (التجوز في الأفعال أولى من التجوز في الحروف) وذلك لقوة الأفعال وضعف الحروف (١).

وإن كان القول الآخر قد تميز عن القول الأول بوجوه ثلاث:

الأول: موافقة الآية الأخرى كما سبق، وبهذا يحصل رد معاني القرآن بعضها إلى بعض.

الثاني: أنه أعم ويتضمَّن القول الأول، فإن مَنْ صاحبهم في الحال والوصف سيصاحبهم في المكان حيث التكريم.

الثالث: أن الصحبة في المكان لا تقتضي من الكمال مثل ما تقتضيه الصحبة في الحال والوصف (٢).

ثم إن الاستدلال بالظاهر ليس قويًّا في هذه المسألة؛ إذ كل الأقوال لا تخلو من المجاز كما سبق، وإن كان المجاز في القول الأول أحسن لأنه مجازٌ بالفعل، لكن المعنى الذي ذكروه في مجاز الفعل يصعب الحمل عليه، فإنه يصعب حمل معنى التوفي على معنى الحشر للبُعد بين المعنيين.

[٥) النتيجة]

الراجح أن معنى الصحبة في قوله {وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ} أنها صحبة الحال والوصف، لأنه أكمل في المعنى، وأحسن في الدعاء، ولأنه الموافق للآية الأخرى نحوه.

ثم هو أعم ويتضمن القول الآخر فهو أحقُّ بالترجيح والاعتبار به، والله أعلم.


(١) ينظر في الدر المصون (٢/ ٢٩)، (٢/ ٢٨٧ - ٢٨٨)، (٥/ ٣٥٧)، (١٠/ ٤٤٥).
(٢) ينظر في أنموذج جليل في أسئلة وأجوبة عن غرائب آي التنزيل لزين الدين الرازي (ص: ٥٨).

<<  <   >  >>