للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما بقية الأقوال فقد نقل المعربون جوازها (١)، ولم أقف على من رجَّح أحدها.

وأما قول الفراء فإنه يرى أن قوله {ثَوَابا} منصوبٌ على (التفسير)، وهو في معنى (التمييز) عند البصريين، وذكر السمين الحلبي في الدر المصون أن هذا قول غريب يبعُد فهمه (٢).

وقول الكسائي يعود إلى الأقوال السابقة أنه منصوب على الحال كما فسَّر قولَه مكي بن أبي طالب (٣).

[٢) أدلة القول الأول في المسألة]

يمكن أن يستدل للقول الأول بأمرين:

الأول: السياق، وذلك أن سياق الآية في معنى الإثابة، فإن الله ذكر أنه لن يضيع أعمالهم، وذلك إنما يكون بالإثابة عليها، وذكر الله تفصيل ذلك بأنه يكفِّر عنهم السيئات ويدخلهم الجنات، فهذا تفصيلٌ لإثابة الله لهم، فيكون قوله {ثَوَابا} إنما هو تأكيدٌ لمعنى الإثابة، وهذا ما أشار إليه السمين الحلبي بقوله: (لأن معنى الجملة التي قبله تفيده وتُفهِمُه).

الثاني: أنه قد جاء مثل هذا الوجه في القرآن في أمثلة أخرى، وذلك في الآيات التي ذكرها السمين الحلبي، في قوله تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: ٨٨]، وقوله: {وَعْدَ اللَّهِ} في أكثر من آية، منها قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقّا} [النساء: ١٢٢]، وقوله: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا} [يونس: ٤].

[٣) أدلة الأقوال الأخرى في المسألة]

لم أقف على دليل يخص أحد بقية الأقوال في المسألة، لكن يمكن أن يستدل لعمومها بأن الأصل في الثواب أن يكون بمعنى الشيء المُثاب به، كالعطاء فإنه في الأصل اسمٌ للشيء


(١) ينظر في التبيان لأبي البقاء العكبري (١/ ٣٢٣)، والكتاب الفريد للمنتجب الهمذاني (٢/ ١٩٢).
(٢) ينظر في معاني القرآن للفراء (١/ ٢٥١)، وإعراب القرآن للنحاس (١/ ١٩٥)، وكشف المشكلات لجامع العلوم الباقولي (١/ ٢٧٢) حاشية رقم (٧)، وينظر في الدر المصون (٢/ ٥٤٤).
(٣) ينظر قوله في إعراب القرآن للنحاس (١/ ١٩٥)، وينظر في مشكل إعراب القرآن لمكي (١/ ١٨٥).

<<  <   >  >>