للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• دراسة المسألة:

[١) مذاهب أهل العلم في المسألة]

الذي يظهر أن جُل المفسرين في هذه الآية يحملون متعلَّق النصر والخذلان فيها على القتال في المعارك، ذلك لأن كثيرًا منهم مثَّلوا لقوله {إِن يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ} بالنصر الذي كان في غزوة بدر، ولقوله {وَإِن يَخْذُلْكُمْ} بما كان في غزوة أُحد (١)، وبعضهم أشار إلى أمور أخرى تتعلق بالقتال كالعَدد والعُدد والامتناع من الأعداء (٢).

ولم أقف على من نفى أن يكون النصر والخذلان في هذه الآية متعلقان بالقتال في المعارك، أو تعرَّض للتفصيل المذكور في القول الأول، كالكلام عن الحجج في الدنيا أو ربط النصر في العاقبة في الآخرة.

وأصل هذه المسألة منقولة عن الراغب الأصفهاني في تفسيره، فهو الذي ذكر أقوال المفسرين فيها (٣)، ثم تبعه أبو حيان واستظهر القول الثاني (٤)، ثم تبعه السمين الحلبي هنا.

[٢) أدلة القول الأول في المسألة]

يظهر أن أصحاب هذا القول يستدلون بالواقع، فيقولون: إن ظاهر الآية أنها وعدٌ، لأنها جملة شرطية مبنية على نصر الله لعباده، فإذا نصرهم الله فإنه لا يكون لهم غالب، فلا يمكن أن يُغلبوا بعد نصر الله لهم، وهذا يخالف ما يَعرِض للمؤمنين من العوارض الدنيوية، من غلبة الأعداء عليهم في بعض المعارك، فلزم أن يكون مُتعلَّق النصر في أمرٍ مطَّرد لا يمكن أن يتخلف، وهو ظهور حجج هذا الدين التي لا يمكن أن تُدفع، وظهور العاقبة الحسنة للمؤمنين في الآخرة، وهذا لا يمكن أن يتغير.


(١) ينظر في تفسير البغوي (١/ ٥٢٧)، والكشاف للزمخشري (١/ ٤٣٢)، وتفسير الرازي (٩/ ٤١١)، والنسفي (١/ ٣٠٦)، والجلالين (ص: ٨٩)، والسراج المنير للشربيني (١/ ٢٦٠)، وتفسير أبي السعود (٢/ ١٠٥)، وروح المعاني للآلوسي (٢/ ٣٢٠)، ومحاسن التأويل للقاسمي (٢/ ٤٤٩)، والتحرير والتنوير لابن عاشور (٤/ ١٥٢).
(٢) ينظر في تفسير الطبري (٦/ ١٩٢) والقرطبي (٤/ ٢٥٤) والسعدي (ص: ١٥٤).
(٣) ينظر في تفسير الراغب الأصفهاني (٣/ ٩٥٥)، والذي يظهر من كلامه أنه يشير إلى قول المفسرين في النُّصرة في القرآن عمومًا، وليس في هذه الآية على وجه التحديد، وإنما ذكرها على سبيل التمثيل، وإلا فلم يظهر من أقوالهم في هذه الآية أنهم جعلوا النصرة فيها مرتبطة بالحجة القاهرة والعاقبة في الآخرة، والله أعلم.
(٤) ينظر في البحر المحيط (٣/ ٤١١).

<<  <   >  >>