للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منها: أن الفرار كان مباحًا، لأن الكفار كانوا يزيدون على الضعف؛ إذ كان المؤمنون سبع مئة، والكفار ثلاثة آلاف.

ومنها: أنهم لما سمعوا بقتله عليه السلام ووقع في ظنهم ذلك تحصنوا بالمدينة ليقطعوا أطماع الكفرة منهم.

ومنها: أنهم لم يسمعوا دعاءه عليه الصلاة والسلام: (إليَّ عباد الله؛ أنا رسول الله) (١)، ولو سمعوا ذلك لم يُشكَّ أنهم كانوا يرجعون إليه لا محالة.

ومنها: أنهم لم يظنوا أنه عليه السلام انحاز إلى الجبل، وجعل ظهره للمدينة، بل جوزوا أن يكون ذهب إلى المدينة.

ولقد عفا الله بكرمه عنهم حيث لم يؤاخذهم، وأعقب ذلك بإنزال الأمنة عليهم.

قال ابن عطية: «والفرار من الزحف كبيرة من الكبائر بإجماعٍ كما علمت، عدَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات، مع قتل النفس والشرك وغيرها» (٢) انتهى.

يعني أن هذا العفو إنما كان عن ذنب كما قدمناه، وبه قال ابن جريج" (٣).

• ترجيح السمين الحلبي ووجه الترجيح:

يرجِّح السمين الحلبي أن التولي المذكور في الآية معصيةٌ عفا الله عنها، وهذا يظهر من ثلاثة وجوه:

الأول: الترجيح بالظاهر في أول المسألة، وذلك في قوله: (فالظاهر أنه معصيةٌ عفا الله عنها لأصحابها).

الثاني: أنه استدل لهذا القول وفصَّل فيه، وذكر استدلال أصحاب القول الآخر بصيغة توحي بالتبعيد حيث قال: (وذكروا لسبب ذلك أشياء).

الثالث: أنه ختم المسألة بالرجوع إلى القول الذي استظهره أولًا، وأشار إلى جلالته بذكر من قال به من أهل العلم، وأنه مقتضى قول ابن جريج وابن عطية، ولم يفعل ذلك مع القول الآخر، فلم يذكر من قال به من أهل العلم.


(١) رواه الطبري في تفسيره (٦/ ١٧٤) عن السدي.
(٢) المحرر الوجيز لابن عطية (١/ ٥٣٠).
(٣) القول الوجيز، (آل عمران: ١٠٦ – ١٥٦)، تحقيق: يعقوب مصطفى سي (ص: ٤٥٨ - ٤٦٠).

<<  <   >  >>