للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[٤) الموازنة بين الأدلة]

أشار أبو حيان إلى القول الفصل في هذه المسألة وهو مُتعلَّق فِعلَي الاستبشار، فإن اختلف متعلَّق الاستبشار لم يكن الثاني تأكيدًا للأول، وبيان ذلك فيما يأتي:

الاستبشار الأول في قوله تعالى: {وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}، ومعناه: أن الشهداء يستبشرون أن إخوانهم الذين لم يلحقوا بهم من خلفهم لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون، فالاستبشار هنا متعلِّقٌ بانتفاء الخوف والحزن عن إخوانهم.

والاستبشار الثاني في قوله تعالى: {يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ}، ومعناه: أن الشهداء يستبشرون بثلاثة أمور: بالنعمة والفضل وعدم ضياع أجر المؤمنين.

والخلاف في المسألة في هذا الاستبشار الثاني؛ هل هو استبشار بأمرٍ يخصُّ الشهداء أنفسهم، أو بأمرٍ يخصُّ إخوانهم كالاستبشار الذي قبله؟

الظاهر من الاستبشار في الآية الثانية أنه عامٌ لا يختص به الشهداء وحدهم، لأنه تضمَّن نفي ضياع أجر المؤمنين، وهذه بشارة عامةٌ في المؤمنين كلهم، ومن هذا الوجه يمكن أن يكون الاستبشار الثاني متعلقًا بالاستبشار الذي قبله، لأن الاستبشار الأول متعلِّقٌ بإخوانهم: {أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}، وهذا الاستبشار الثاني تعلَّق بإخوانهم أيضًا: أن أجرهم ثابت لا يضيع؛ قال الطيبي: "ومن جُعلت أعماله مشكورةً غير مضيَّعةٍ فلا يخاف العاقبة" (١).

وعلى هذا؛ لم يختلف متعلَّق فِعلَي الاستبشار في الآيتين، فيمكن أن يكون الثاني تأكيدًا للذي قبله، خصوصًا مع اتحاد لفظهما وانتفاء العطف عن ثانيهما.

وإن كان السياق يشير إلى أن النعمة والفضل في الآية أولى أن تكون لهم وأنهم يستبشرون بها لأنفسهم إلا أن آخر الآية قد دل على أنهم يستبشرون لإخوانهم بعدم ضياع أجرهم، فلا يبعُد أن يكون استبشارهم بالنعمة والفضل لإخوانهم أيضًا.

والسياق نفسه قد أشار إلى أنهم حازوا النعمة والفضل؛ أما النعمة ففي قوله {بَلْ أَحْيَاءٌ


(١) حاشية الطيبي على الكشاف (٤/ ٣٤٥).

<<  <   >  >>