للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[٤) الموازنة بين الأدلة]

كما ذكر السمين الحلبي فإن الظاهر هو التعدي إلى مفعول واحد، إذ ليس في الآية مفعول ثانٍ فيحتاج إلى تقدير، وعدمُ التقدير أولى، وكما سبق في المسألة الأولى فإن الأدلة تعضد القول بالتعدي إلى مفعولٍ واحد، وأما القول بتعدي الفعل إلى مفعولين فلم يُذكر له دليل ظاهر إلا المنع بأن تكون الرؤية البصرية، فيبقى الجواب عن الإشكال المذكور، وهو أن الموت لا يُعاين، فكيف تكون الرؤية بصرية؟

وقد أجاب أهل العلم عن هذا الإشكال بأن المراد هو رؤية أسباب الموت من القتال وآلته كالسيف ونحوه كما سبق الإشارة إليه؛ قال القرافي: "وإنما رأوا القتال، وهو الذي كانوا يتمنونه، فجعله موتًا لوجود مظنته" (١).

وتعقَّب الشيخ العثيمين هذا الجواب، وذكر أن رؤية الموت ممكنة، وذلك بأن يرى الموت فيمن استشهد من إخوانه في المعركة، فيكون المعنى: فقد رأيتم الموت فيما بينكم (٢)، وهذا هو الموافق لما ذكره الزمخشري والبيضاوي من المفسرين (٣)، وقد أشار إليه السمين الحلبي فقال عند قوله تعالى {وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ}: "والمعنى: وأنتم تنظرون وقوعه في إخوانكم الذين استشهدوا أو شارفهم القتل" (٤).

وأما الاستشهاد بقاعدة (التأسيس أولى من التأكيد) في قوله {وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ} فقد أشار إليها الشيخ العثيمين في سياق الكلام عن نوع الرؤية البصرية، ولم يتطرق إلى كون الرؤية في الآية هي الرؤية العلمية، بل ذكر أن الرؤية البصرية يمكن أن تكون نوعان؛ نظر عامٌ للإبصار ووقوع مجرد الرؤية، ونظر خاص للتحقيق والتدقيق، فقوله {فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ} هو من النظر العام، وقوله {وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ} هو من النظر الخاص، وتكون الجملة حينئذ للتأسيس (٥)،


(١) الذخيرة (٧/ ١٣٨).
(٢) ينظر في تفسير آل عمران للعثيمين (٢/ ٢٣٥).
(٣) ينظر في الكشاف للزمخشري (١/ ٤٢١)، وتفسير البيضاوي (٢/ ٤٠).
(٤) القول الوجيز، (آل عمران: ١٠٦ – ١٥٦)، تحقيق: يعقوب مصطفى سي (ص: ٣٤٩)
(٥) ينظر في تفسير آل عمران للعثيمين (٢/ ٢٣٤ - ٢٣٥، ٢٣٧).

<<  <   >  >>