موصوف واحد، فالهجرة متصلة بالإخراج من الديار والإيذاءِ في سبيل الله ومتسببة عن ذلك، ثم بعد الهجرة كان الجهاد والقتال في سبيل الله.
الثاني: ما جاء في سبب النزول وموافقة الواقع في حال المهاجرين، حيث إن الآيات نزلت في شأنهم كما تقدم من حديث أم سلمة (١)، والصفات المذكورة في الآية توافق ما حصل لهم رضي الله عنهم، فإنهم هاجروا إلى المدينة وأُخرجوا من ديارهم بالقهر والاستبعاد من مشركي مكة، وأُذوا في سبيل الله كثيرًا، وجاهدوا في سبيل الله وقاتلوا في مثل غزوة بدر، وجاهدوا في سبيل الله وقُتلوا في مثل غزوة أُحد.
[٣) أدلة القول الثاني في المسألة]
يمكن أن يستدل للقول بأن الآيات في أكثر من طائفة أن هذا هو مقتضى امتنان الله على عباده، بأن يستحق كل من اتصف ولو بواحدةٍ من الصفات المذكورة مغفرةَ الله ورحمته والفوز بجنته.
[٤) الموازنة بين الأدلة]
أما من حيث المعنى فإن القول بأن الآية في أكثر من طائفة فيه تعميمٌ لفضل الله وثوابه ومغفرته ورحمته، وهذا هو المناسب في سياق الامتنان، لكن يمكن أن يشكل عليه الصفة المذكورة في قوله تعالى:{وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي}، فإن هذا الوصف لا يختص بمجرده بالأجر والثواب إلا إذا قارنه الصبر والاحتساب، ولا يقتضي المدح والكمال بمجرده، لأنه قد يُؤذى المرء في سبيل الله ولا يصبر، فيكون ذلك موضع ذم، كما في قوله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ}[العنكبوت: ١٠].
وأما من حيث سياق الآية فإن الأنسب أن يكون الحديث في الآيات عن طائفة المهاجرين، لأن السياق يشير إلى أن الآيات نزلت فيهم، وتطابقُ الأحوال التي مرَّت عليهم.
وأيضًا فإن السياق يتناسب مع هذا القول من حيث إنه سياق مدح وثناء، ولم يذكر الموصول إلا مرة واحدة، ولو كان المراد أكثر من طائفة لناسب إعادة ذكر الموصول.
(١) رواه الترمذي في الجامع (٥/ ٢٣٧/ ٣٠٢٣)، وصححه الحاكم في المستدرك (٢/ ٣٢٨/ ٣١٧٤)، (٢/ ٤٥١/ ٣٥٦٠)، ووافقه الذهبي، وينظر في تفسير مقاتل (١/ ٣٢٢)، وتفسير الطبري (٦/ ٣١٨)، وتفسير ابن أبي حاتم (٣/ ٨٤٤)، وأسباب النزول للواحدي (ص: ١٣٩).