للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لكن يمكن أن يشكل على هذا القول ثلاث إشكالات:

الأول: أنه قد ذُكر الإخراج من الديار بعد ذكر الهجرة، فلو كان الحديث في الآيات عن طائفة واحدة للزم التكرار بأنهم خرجوا للهجرة وأُخرجوا من ديارهم، والجواب عنه كما ذكر ابن تيمية أنهم "اختاروا مفارقة الكفار ليقيموا دينهم، ولكن الكفار بعداوتهم أكرهوهم على هذه المهاجرة" (١)، وإنما ذكر الإخراج تشنيعًا على المشركين أنهم أساؤوا إليهم (٢).

ويحتمل أن يكون عملهم الأصلي هو الهجرة، ثم الأعمال المذكورة بعده هي تفصيل لهذا العمل بعد الإجمال (٣).

الإشكال الثاني: أنه قد جاء في أول الآية قوله تعالى: {أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم}، ثم ذكر هذه الأعمال، وليس المراد هذه الأعمال بمجموعها، بل بتفصيل كل واحدٍ منها أن الله لا يضيعه، وإلا لو كان المراد هو مجموع الأعمال لكان من اتصف بواحد منها يمكن أن يضيع عمله لأنه لم يتصف بالبقية (٤).

والجواب: أن قوله تعالى {أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم} هو قاعدة عامة في كل أعمال المهاجرين المقصودين بالآية، وليست مخصوصة بالأعمال المذكورة في الآية فقط، فلا يلزم من ذكر تلك الأعمال بعد هذه القاعدة العامة أن تكون تلك الأعمال مخصصة لهذه القاعدة.

ويحتمل أن يكون ذكر هذه الأعمال على وجه الاتصاف بها جميعًا من باب ذكر أشرف الأمثلة بعد ذكر القاعدة، فهؤلاء الذين عملوا هذه الأعمال جميعًا هم أحق الناس بأن لا يضيع الله أجورهم.

الإشكال الثالث: قوله تعالى في القراءة الأخرى {وقُتلوا وقاتلوا} (٥)، فيمكن أن يشكل على هذا أنهم إذا اتصفوا بهذه الأعمال جميعًا فكيف لهم أن يقاتلوا بعدما قتلوا.

والجواب: أن الآية هنا هي من الشواهد على أن الواو لا تقتضي الترتيب، فالآية هي في


(١) جامع المسائل لابن تيمية (٩/ ٤١٩).
(٢) ينظر في المحرر الوجيز لابن عطية (١/ ٥٥٧).
(٣) ينظر في حاشية الطيبي على الكشاف (٤/ ٣٩٠)، وحاشية الشهاب الخفاجي على تفسير البيضاوي (٣/ ٩١).
(٤) ينظر في تفسير أبي السعود (٢/ ١٣٤)، وروح المعاني للآلوسي (٢/ ٣٧٩).
(٥) هي قراءة حمزة والكسائي وخلف؛ ينظر في التيسير لأبي عمرو الداني (ص: ٣٢١) والنشر لابن الجزري (٢/ ٢٤٦).

<<  <   >  >>