للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ} [الأنفال: ١٥].

الوجه الثاني: ما ذكره السمين الحلبي من أنه يجب وقاية الأنبياء بالأنفُس بلا خلاف، ويدل على هذا الحكم قوله تعالى: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَّفْسِهِ} [التوبة: ١٢٠].

الدليل الثاني: أن السياق قد أفاد أن الذين تولوا قد وقعوا في ذنب، وذلك من ثلاثة وجوه:

الأول: أن سياق الآية فيه عتاب لهم على توليهم، ولو لم يكن التولي معصية لما لحقتهم اللائمة (١).

الثاني: ما ذكره السمين الحلبي من أن الله سماه استزلالًا من الشيطان، والشيطان إنما يريد أن يُزلَّ الإنسان عن الطاعة ويوقعه في المعصية، كما أفاد ذلك قولُه تعالى: {وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ} [النور: ٢١] (٢)، كما أن لفظ الزلل يشير إلى فعل الخطيئة ومجانبة الصواب (٣).

الثالث: قوله: {وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ}، فإن ذكره في هذا السياق هنا يشير إلى أنهم وقعوا في ذنب فاحتاجوا إلى العفو (٤).

[٣) أدلة القول الثاني في المسألة]

استدل من قال بأن التولي المذكور في الآية لم يكن معصية بأدلةٍ تتجه إلى حكم العمل، وأنه لا ينطبق على المتولين المذكورين في الآية، ومن ثَمَّ فإن العمل يكون مباحًا لا معصية فيه، وجاءت الأقوال في هذا على ضربين:

الأول: مَنْ ينفي الحكم عن المذكورين في الآية من حيث الأصل، وأن الفرار عن الزحف يوم أُحد كان قبل النهي عنه (٥).


(١) ينظر في الإشارات الإلهية إلى المباحث الأصولية للطوفي (ص: ١٤٧ – ١٤٨).
(٢) ينظر في تفسير العثيمين لسورة آل عمران (٢/ ٣٤٣).
(٣) ينظر في التحرير والتنوير لابن عاشور (٤/ ١٣٩ - ١٤٠)، وتفسير العثيمين لسورة آل عمران (٢/ ٣٤١).
(٤) ينظر في الإشارات الإلهية إلى المباحث الأصولية للطوفي (ص: ١٤٧ – ١٤٨)، والتحرير والتنوير لابن عاشور (٩/ ٢٨٨)، وتفسير العثيمين لسورة آل عمران (٢/ ٣٤٣ – ٣٤٤).
(٥) ينظر في السيوف المشرقة لأبي المعالي محمود شكري الآلوسي (ص: ٥٧٩).

<<  <   >  >>