للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم أقف على من اختار هذا القول إلا ما ذكره جامع العلوم الباقولي (١) في عدة مواضع من كتبه (٢)، فإنه لم يستحسن النصب واستحسن الجزم، واعترض على القول بالنصب بأن الجزم هو اختيار القُرَّاء في مثل هذا، كما في قوله تعالى: {أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}، فثبتت القراءة بجزم {وَنَمْنَعْكُم}، ولم تكن بالفتح إلا في قراءة شاذة (٣)، واستشهد لقوله بأن الفعل مجزوم بقراءة الجزم بكسر الميم: (ويعلمِ الصابرين)؛ قال في توجيه قراءة فتح الميم: "والأئمة عدلوا عن الكسر إلى الفتح، لأنها أخف مع انفتاح ما قبله"، وقال: "فهذه فتحةٌ بمنزلة الكسرة"، واستشهد في إتباع الميم بما قبلها في الفتح بما روي من قراءة ابن عامر: (ثم يجعَلَه حطامًا) (٤)؛ قال: "بفتح اللام تبعًا للعين".

وقد ضعَّف قوله أبو البركات الأنباري (٥)، واعترض محيي الدين درويش على من قال بهذا القول، وذكر أنه لا يجوز حمل القرآن على الوجوه المرجوحة (٦).

[٢) أدلة القول الأول في المسألة]

وهي بالنظر إلى أمرين:

الأول من حيث اللفظ، فالظاهر في لفظ (يعلم) أنه مفتوح الآخر، فينصرف أولَ ما ينصرف إلى النصب، ولهذا ذكر السمين الحلبي أن القول بالنصب أظهر.

الثاني من حيث المعنى، فإن الخطاب في الآية للمؤمنين الذين جاهدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء العتاب في الآية على أن الطمع في الجنة إنما ينبغي إذا اجتمع مع الجهاد


(١) هو أبو الحسن علي بن الحسين بن علي الضرير الأصفهاني (ت: ٥٤٣ هـ)، إمامٌ في النحو والإعراب، له كتاب الاستدراك على أبي علي الفارسي، وكتاب في شرح اللُمع لابن جني، وكتاب كشف المشكلات في إعراب القرآن، وكتاب جواهر القرآن، ينظر في معجم الأدباء لياقوت الحموي (٤/ ١٧٣٦)، وهدية العارفين للباباني (١/ ٦٩٧).
(٢) ينظر في جواهر القرآن (٢/ ٦٦٦ - ٦٦٩)، (٣/ ١٥٥٥ - ١٥٥٦، ١٥٨٤)، وكشف المشكلات (١/ ٢٥٧ - ٢٥٨). والأقوال المذكورة عنه هنا مرتبة بحسب ترتيب هذه المواضع.
(٣) وهي قراءة ابن أبي عبلة، وينظر في مختصر ابن خالويه (ص: ٣٦).
(٤) وهي قراءة أبي بشر، ينظر في الكامل للهُذلي (ص: ٦٣٠).
(٥) ينظر في البيان في غريب إعراب القرآن (١/ ٢٢٣).
(٦) ينظر في إعراب القرآن وبيانه (٢/ ٦١)، وقد حكى القول بعبارة السمين الحلبي في الدر المصون (٣/ ٤١١) معترضًا على من قال به، وهذا الاعتراض لا يَرِد على السمين الحلبي لأنه رجَّح القول الآخر (هنا وفي الدر المصون).

<<  <   >  >>