للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأول: أن هذا هو المتوافق مع الروايات في قصة غزوة أُحد، وهي تحكي الواقع (١)، وقد نقل بعض أهل العلم أن الآية نزلت بعد الغم الذي كانوا فيه (٢).

الثاني: أن هذا هو الظاهر المتبادر للذهن أن يتعلق التعليل بالقريب المذكور المجاور للعبارة، وهو قوله: {فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ} (٣).

ويُستدل للوجه الذي رجَّحه السمين الحلبي بأن (لا) في قوله {لِّكَيْلَا} نافية بأن قد جاء تأكيد النفي وتكراره مما يدل على أنه مقصود، فإنه سبحانه قال: {لِّكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ}، فالنفي في قوله {وَلَا مَا أَصَابَكُمْ} تأكيدٌ للنفي الذي قبله (٤).

وأما جعل (لا) مزيدة، فيمكن أن يُستدل له بأنه أظهر من ناحية أنه سالمٌ من التقدير والتأويل؛ إذ القول بأن (لا) نافية يحتاج إلى تقديرٍ أو تأويلٍ للحزن أو الغم ليتبين المعنى المراد (٥).

[٣) أدلة القول الثاني في المسألة]

استدل من قال بأن لام التعليل متعلقة بقوله {وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ} بأن هذا هو المناسب لانتفاء الحزن، فعفو الله عزَّ وجل يذهب كل حزن (٦).

[٤) الموازنة بين الأدلة]

تقدَّم في المسألة السابقة الفصلُ بين الآية التي نحن فيها والآية التي قبلها، وأن الآية السابقة قد حوت جُملًا مستقلة يحسن السكوت عليها، فهذا هو المناسب للمعنى، فلا يسوغ أن يُستدل على أن قوله تعالى {لِّكَيْلَا تَحْزَنُواْ} يرجع إلى قوله {وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ} بأن هذا هو المناسب للمعنى، لأنه وإن صار المعنى مناسبًا في هذه الآية فإنه يُخِل بتناسب المعنى في


(١) وستأتي الإشارة إلى هذه الروايات.
(٢) نقله ابن حجر في العُجاب في بيان الأسباب (٢/ ٧٧٠) عن مقاتل بن سليمان بلفظ: "فأنزل الله تعالى: {لكيلا تحزنوا … } "، وهي في تفسير مقاتل (١/ ٣٠٧) بلفظ: "فذلك قوله سبحانه: {لكيلا تحزنوا … } "، والله أعلم.
(٣) ينظر البحر المحيط لأبي حيان (٣/ ٣٨٨).
(٤) ينظر في حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي (٣/ ٧١).
(٥) ينظر في حاشية القونوي على تفسير البيضاوي (٦/ ٣٦٢).
(٦) ينظر في التفسير البسيط للواحدي (٦/ ٨٦).

<<  <   >  >>