للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الأول: ترجيحات السمين الحلبي من آية (١٣٨) إلى آية (١٤٨)]

وفيه ست مسائل:

المسألة الأولى: تعدي الفعل في قول الله تعالى {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ}

قال تعالى: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: ١٤٠]

• أصل الخلاف في المسألة:

فعلُ (عَلِم) في اللغة له حالان: إما أن يتعدَّى إلى مفعولين فيكون من باب (ظنَّ وأخواتها)، كقولك: علمتُ الرجلَ صادقًا، وإما أن يتعدَّى إلى مفعولٍ واحد، كقولك: علمتُ الطريق.

والخلاف هنا في الفعل المذكور في قوله {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ}؛ هل هو متعدٍ إلى مفعولٍ واحدٍ أم إلى مفعولين؟

• نص المسألة:

قال السمين الحلبي رحمه الله: "وجُوز في (علم) أن تكون متعدية لواحد، فقال الشيخ: «و (عَلِم) ظاهرهُ التعدي إلى واحد، فتكون بمعنى (عَرَف)» (١) انتهى.

وهذا ينبغي ألا يجوز، لأنه العرفان؛ لا يجوز إسناده إلى الله تعالى لما بيَّناه غير مرة، فلا يقال: عرف الله، والمانع إنما هو لأمرٍ معنوي لا لفظي، فلا فرق بين أن يُنطق بلفظ المعرفة أو بلفظ العلم الذي بمعناها، وسيأتي إن شاء الله مثل هذا البحث في قوله تعالى: {لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} [الأنفال: ٦٠].

والظاهر أنها المتعدية لاثنين؛ حُذف ثانيهما للعلم به، والتقدير: وليعلم الذين آمنوا مميزين بالإيمان من غيرهم، يعني أن الحكمة في هذه المداولة أن يصبر الذين آمنوا مميزين عمَّن يدعي الإيمان بسبب صبرهم وثباتهم على الإيمان" (٢).


(١) البحر المحيط لأبي حيان (٣/ ٣٥٤).
(٢) القول الوجيز، (آل عمران: ١٠٦ - ١٥٦)، تحقيق: يعقوب مصطفى سي (ص: ٣٣٥ - ٣٣٦).

<<  <   >  >>