للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المسألة الثامنة: معنى {اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ}

قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [آل عمران: ١٥٥]

• أصل الخلاف في المسألة:

(الألف والسين والتاء تدلُّ على الطلب)؛ هذا هو المشهور المعتاد، لكنه ليس بلازمٍ في كل الأحوال، والمسألة هنا تبحث في قوله تعالى: {اسْتَزَلَّهُمُ}؛ هل فيه معنى الطلب أم لا؟

• نص المسألة:

قال السمين الحلبي رحمه الله: {اسْتَزَلَّهُمُ} طلب منهم الزلَّة؛ قال الزمخشري: «طلب منهم الزلل ودعاهم إليه، {بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ} من ذنوبهم، ومعناه: أن الذين انهزموا يوم أُحد كان السبب في توليهم أنهم كانوا أطاعوا الشيطان فاقترفوا ذنوبًا، فلذلك منعتهم التأييد وتقوية القلوب حتى تولوا» (١)، ولما حكى الشيخ هذا المعنى قال: «هكذا قالوه، ولا يلزم من طلب الشيء واستدعائه حصوله، فالأولى أن يكون (استفعل) هنا بمعنى (أفعل)، فيكون المعنى: أزلَّهم الشيطان، فيدل على حصول الزلل، ويكون (استزل) و (أزل) بمعنى واحد، كـ (استبان) و (أبان)، و (استبلَّ) و (أبلَّ)، كقوله تعالى {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا} [البقرة: ٣٦] على أحد تأويلاته، واستزلالُ الشيطان إياهم سابق على وقت التولي؛ أي: كانوا أطاعوا الشيطان واجترحوا ذنوبًا قبلُ منعتهم النصرَ ففروا» (٢).

وهذا الذي قاله الشيخ وإن كان رجح اللفظ نقيضه إلا أن السياق والقرائن يدل على المعنى الذي ذكره المفسرون" (٣).


(١) الكشاف للزمخشري (١/ ٤٣٠).
(٢) البحر المحيط لأبي حيان (٣/ ٣٩٨).
(٣) القول الوجيز، (آل عمران: ١٠٦ – ١٥٦)، تحقيق: يعقوب مصطفى سي (ص: ٤٥٦ - ٤٥٧).

<<  <   >  >>