للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[٤) الموازنة بين الأدلة]

ظاهر رواية أبي طلحة رضي الله عنه تدل على أن النعاس غشيهم قبل الحرب، لأن المصافَّة وترتيب الصفوف إنما تكون قبل الحرب إذا كانوا في مقابل العدو (١)، وهذا هو المتبادر للذهن من هذه العبارة، لكن سياق الآية يشير إلى أن النعاس غشيهم بعد انكسار الجيش واختلال صفه، ولا يمكن أن يقال إن ذلك النعاس في الصف إنما هو خاص بأبي طلحة وحده لأنه قد ذكر في الرواية الأخرى أنه رفع رأسه فرأى القوم قد غشيهم النعاس كذلك (٢)، ويبعُد أن يكون النعاس قد غشيهم مرتين؛ مرة في المصاف، والمرة الأخرى في نهاية المعركة، فلو كان شيء مثل هذا لكان له ذكرٌ في الروايات وفي كتب المغازي، وعلى هذا فيلزم ترجيح أحد القولين وتوجيه القول الآخر.

أما من حيث الرواية فإن رواية أبي طلحة أصح وأشهر بخلاف رواية السدي الذي لم يشهد المعركة، لكن سياق الآية يمنع أن يكون النعاس في أول المعركة، بل ذلك بعد انكسار الجيش واختلال صفه، وهذا ظاهر في أول الآيات من قوله {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} [آل عمران: ١٥٢] إلى قوله {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ} [آل عمران: ١٥٤]، فالعطف بـ (ثم) يمنع أن يكون ذلك في أول المعركة.

بعد هذا يتجه الاحتمال إلى أن يكون النعاس قد غشيهم وهم في المعركة قبل نهايتها بدليل ما جاء في رواية أبي طلحة من أن السيف كان يسقط من يده، فهذا يدل على أن النعاس كان في حال القتال، لكن هذا يبعده ما جاء في رواية أبي طلحة نفسها من أن النعاس غشيهم وهم في المصاف، وما جاء في الرواية الثانية عنه من أن النعاس غشي كثيرًا منهم في وقت واحد، وقوله تعالى {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ} يدل على تفرقهم.

وبالتأمل في الظرف الذي يمكنهم فيه الاجتماع مرةً أخرى وتسوية الصفوف، فإن الأقرب أن يكون ذلك في نهاية المعركة حيث امتنعوا من عدوهم، وهو الظرف المناسب لانجلاء الغم عنهم، ثم من بعد الغم تنزل الأمَنَة عليهم ويغشاهم النعاس.

٥) النتيجة:


(١) ينظر (مادة: صفف) في مقاييس اللغة لابن فارس (٣/ ٢٧٥)، والنهاية لابن الأثير (٣/ ٣٨).
(٢) وهي رواية الترمذي التي سبق ذكرها.

<<  <   >  >>