للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذي يظهر أن الأمَنَة نزلت على أهل الإيمان في نهاية المعركة لما نزحوا إلى الجبل، وقد جاء في السيرة أنهم في آخر المعركة نزحوا إلى الجبل، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل عليًا لينظر في أمر المشركين، لكن من غير ذكر النعاس بعد ذلك (١)، وقد روي في بعض الآثار في أن النعاس كان يغشاهم والمشركون تحتهم، ذُكر أن أبا اليَسَر (٢) رضي الله عنه قال: «لقد رأيتُني يومئذ في أربعة عشر رجلًا من قومي إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أصابنا النعاس أمَنَة مِنه؛ ما منهم رجلٌ إلا يغطُّ غطيطًا حتى إن الحجف لتناطح، ولقد رأيت سيف بِشر بن البراء بن معرور سقط من يده وما يشعر به، وأخذه بعد ما تثلَّم، وإن المشركين لتحتنا» (٣).

وروي عن الزهري أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا جلوسًا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم أُحد في أصل الجبل، حتى أُرسل عليهم النعاس أمنة منه، وإنهم ليغُطُّون حتى إن حجفَهم لتنتطح في أيديهم والعدو تحتهم (٤).

وعلى هذا تُحمل الروايات عن أبي طلحة والزبير رضي الله عنها وغيرهم؛ أن النعاس غشيهم في آخر المعركة، كما فعل الجصاص رحمه الله حيث قال في هذه الآية: «قال طلحة وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وقتادة والربيع بن أنس: كان ذلك يوم أُحد بعد هزيمة مَنْ انهزم من المسلمين، وتوَعَّدَهم المشركون بالرجوع (٥)، فكان مَنْ ثبت من المسلمين تحت الحجف متأهبين للقتال، فأنزل الله تعالى الأمنة على المؤمنين» (٦). والله أعلم.


(١) ينظر في سيرة ابن هشام (٢/ ٨٦، ٩٤).
(٢) هو كعب بن عمرو الأنصاري السُّلَمي، شهِدَ العقبة، وانتزع الراية يوم بدر، وشهِد أُحدًا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومناقبه كثيرة، توفي بالمدينة سنة خمس وخمسين وقيل إنه آخر من مات من البدريين؛ أخرج له مسلمٌ في صحيحه؛ ينظر في الطبقات لابن سعد (٣/ ٥٨١)، والسيَر للذهبي (٢/ ٥٣٧).
(٣) ذكره الواقدي في المغازي (١/ ٢٩٦).
(٤) رواه أبو نعيم في الدلائل (ص: ٤٨٧).
(٥) لعله يقصد مواعدة أبي سفيان التي من بعدها أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم عليًّا لينظر في آثارهم، أو يقصد أن المشركين توعدوهم بأن يرجعوا إليهم ويستأصلونهم في مكانهم، والله أعلم.
(٦) أحكام القرآن للجصاص (٢/ ٣٢٨).

<<  <   >  >>